وعلى أيّة حال فإنّ هذه العبارة هي عصارة التوحيد الكامل والمعاد والتوكل على الذات المقدسة الإلهيّة في جميع الاحوال وفي كل زمان (١).
* * *
وفي الآية الرابعة تجلّت هذه الحقيقة بلباس جديد بعد أن أشار تعالى في الآية التي سبقتها إلى الأحداث العجيبة التي يواجهها العالم عند تأهبه للقيامة ، قال تعالى : (الَى رَبِّكَ يَوْمَئذٍ الْمُسْتَقَرُّ).
وأشار بذلك إلى أنّ الدنيا ليست مقراً ، وأنّ جميع العلائم تدل على أنّ الدنيا هي دار فناء وعدم ، وتغيير وزوال ، وعلى هذا فمن البديهي أن لا تكون الدنيا هي الهدف الرئيسي من السير التكاملي للإنسان ، إذا لابدّ أن يكون مقر الإنسان في عالم آخر.
لكن بعض المفسرين قدّروا كلمة محذوفة وقالوا : المراد هو «إلى حكم ربّك» أي إلى حكم ربّك يومئذٍ المستقر فبحكم الله يقوم العدل ويتحقق أو بحكم الله يستقر فريقٌ في الجنّة وفريقٌ في النار.
ولكن بما أنّ التقدير خلاف القاعدة ، بالإضافة إلى أنّه لاضرورة له هنا فإنّنا لا نرى دليلا واضحاً لمثل هذه التفاسير.
* * *
وفي الآية الخامسة والأخيرة ورد ما ذكر في الآية السابقة بتعبير جديد بعد أن أشار إلى حالات المحتضر ولحظات الاحتضار وطيّ سجل حياة الإنسان ، قال تعالى : (الَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ).
و «المساق» : مصدر ميمي بمعنى «السوق» وهذا يدل على أنّ جهة سير البشر التكاملي
__________________
(١) من خلال هذا التفسير يتضح تفسير الآيات المتشابهة لهذه مثل : المائدة ، ١٠٥ ؛ العلق ، ٨ ؛ الانعام ، ٣٦ ؛ الغاشية ، ٢٥.