وفي الآية الثانية ورد نفس هذا المعنى ولكن بأسلوب آخر ، فبعد أن أبطل ربوبية آلهة المشركين وذكر بأنّ كل إنسان رهين عمله وأن المذنب لا يحمل اصره غيرُهُ ، قال تعالى : (ثُمَّ الَى رَبِّكُمْ مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ).
فالآية الاولى تتحدث عن بيان الاختلاف وهذه الآية اخبرت عن ذلك الاختلاف فالإخبار في الواقع تعليل لما جاء في الآية الاولى وذلك لأنّ الإخبار الإلهي في يوم القيامة يعتبر المصوِّرَ الرئيسي لبيان الحقائق ، أو يكون «التبيين» متعلقاً بالامور المرئية و «الإنباء» متعلقاً بالامور المسموعة.
* * *
وفي الآية الثالثة طُرِحَتْ مسألةُ الحكم والقضاء الإلهي فيما اختلف فيه الناس يوم القيامة ، قال تعالى : (انَّ رَبَّكَ يَقْضِى بَيْنَهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ فيَما كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ).
ومن البديهي أنّ الله تعالى عندما يحكم بينهم بنفسه في ذلك اليوم فسوف تزول الاختلافات وتتضح الحقائق كما هي.
وهذه الآية إمّا أن تكون إشارةً لاختلاف بني اسرائيل فيما بينهم في العصور الغابرة أو أنّها تشير إلى اختلافهم الذي ظهر في عصر الرسالة ونزول القرآن بسبب علائم ظهور الإسلام وعلائم النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله التي آمن بها فريق منهم وجحدها آخرون حفظاً لمصالحهم الشخصية.
وقد تكون إشارةً لاختلافهم الذي وقع في عصر موسى عليهالسلام بعد نجاتهم من مخالب الفراعنة ومشاهدتهم هذه المعجزة العظيمة ، أو إشارةً إلى اختلافهم الذي حصل عند ذهاب موسى عليهالسلام إلى جبل الطور وظهور السامري بعجله.
وبالرغم من أنّ أكثر المفسرين رجّحوا الاحتمال الأول إلّاأنّ الآيات المتقدمة على هذه الآية ترجّح الاحتمال الثاني (١) ، كما أنّ الجمع بين التفاسير الثلاثة ممكن أيضاً.
__________________
(١) وقد تبنى التفسير الأول الفخر الرازي في تفسير الكبير وتفسير القرطبي والمرحوم الطبرسي في تفسير مجمع البيان ، لكنّ تفسير صاحب الميزان أكثر انسجاماً مع التفسير الثاني.