وفي الآية الخامسة والاخيرة ورد هذا المعنى نفسه مع مقارنة وضع الإنسان عند النوم مع وضعه عند الموت ، وقد عبّر بـ «التوفّى» عن كلتا الحالتين ، قال تعالى : (اللهُ يَتَوَفَّى الانْفُسَ حينَ مَوْتِهَا وَالَّتِى لَمْ تَمُتْ في مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتى قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وُيُرْسِلُ الْاخْرَى الَى اجَلٍ مُسمَّىً انَّ فِي ذلِكَ لَايَاتٍ لِقَومٍ يَتَفَكَّرُونَ).
و «انفس» : جمع «نفس» بمعنى الروح ، والمراد من الروح هنا الروح الإنسانية ويستفاد من الآية المذكورة إنّ روح الإنسان تقبض في كلتا الحالتين ، حالة الموت وحالة النوم ، مع فارق واحد أنّ التوفي في حالة النوم غير تام حيث تعود الروح ثانية إلى الجسد ، أمّا في حالة الموت فلا عودة لها ، (وهناك طبعاً من ينتقل من حالة النوم إلى الموت مباشرة ولا يستيقظ من نومه أبداً ، وقد أشارت الآية المذكورة لهذه الحالة أيضاً).
وعلى حد تعبير بعض المفسرين : «إنّ للروح ثلاث حالات ، فتارةً يشع نورها على ظاهر البدن وباطنه ، واخرى على الظاهر فقط ، وثالثة ، ينقطع اشعاعها عن الظاهر والباطن معاً. فالحالة الاولى حالة اليقظه ، والثانية حالة النوم ، والثالثة حالة الموت» (١).
ولمزيد من الايضاح يجب الالتفات إلى هذه الحقيقة وهي أنّ الإنسان له ثلاثة أنواع من الحياة.
«الحياة النباتية» وهذا يعني أنّ خلايا البدن تتغذى وتنمو وتتكاثر (كما هو الحال في النباتات).
«الحياة الحيوانية» التي تشتمل على الحس والحركة ، والحركة هنا تشمل الحركة الارادية كالمشي وحركة اليد والرجل أو الحركات غير الارادية كضربات القلب وغيرها من الحركات.
«الحياة الإنسانية» التي تختص بالإدراكات الرفيعة التي يمتلكها الإنسان والتي تتعلق بالإرادة وتحليل المسائل المختلفة والابداع والابتكار والشعور بالمسؤولية.
وممّا لا شك فيه أنّ النوعين الأول والثاني من أنواع الحياة لا يُسلب من الإنسان في
__________________
(١) التفسير الكبير ، ج ٢٦ ، ص ٢٨٤.