على هذا فإنّ «التوفّي» يكون بمعنى أخذ الشي بصورة كاملة وهذا التعبير يدل بوضوح على هذه الحقيقة وهي أنّ الموت لا يعني الفناء أبداً ، بل نوع تام من أنواع القبض ، والأخذ أخذ روح الإنسان بصورة تامّة ، دليلٌ واضح وملموس على أنّ روح الإنسان لا تفنى بعد «التوفّي» (أي الأخذ الكامل) لها.
ومن الجدير بالذكر أنّ هذه الآية وردت في الجواب عن تساؤل منكري المعاد ، وقد نُقل عنهم في الآية السابقة قولهم : (وَقَالُواءَاذَا ضَلَلْنَا فِي الْارْضِءَإِنَّا لَفِى خَلْقٍ جَدِيْدٍ).
فأجابهم تعالى في هذه الآية : «أنّكم لستم أجساداً فحسب كي تضلوا بعد الموت ، بل إنّ الروح هي الأصل في وجودكم والتي تتوفاها الملائكة ، وسوف تُعادُون وتحشرون يوم القيامة (بالجسم والروح معاً) وكما قلنا آنفاً : إنّ هذا التعبير قد تكرر ذكره في آيات متعددة في القرآن وقد اكّد عليه كثيراً».
إنّ خطاب الآيات القرآنية فيه ارشاد للاثبات بعدم النظر إلى الموت من منظارٍ مادّي أبداً ، فالمادّيّون يعتقدون بأنّ الموت نهاية الطريق بالنسبة للإنسان وينادون دائماً بهذا الشِعار : (انْ هِىَ الّا حَيَاتُنَا الدُّنيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا) بينما لا يكون الموت إلّاعبارة عن الانتقال من «الحياة الدنيئة» إلى «الحياة الراقية» ويتم ذلك الانتقال بواسطة ملائكة الله.
وفي بعض الموارد نسب الله التوفّي إلى نفسه : قال تعالى : (اللهُ يَتَوَفَّى الْانْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا). (الزمر / ٤٢)
وقال من موضعٍ آخر : (وَلكِنْ اعْبُدُ اللهَ الَّذِى يَتَوفَّاكُمْ). (يونس / ١٠٤)
ومن البديهي أن لا يوجد هناك تناقض بين تعبيرات القرآن الثلاثة المذكورة (التوفي من قبل الله والتوفي بواسطه ملك الموت والتوفّي بواسطة الملائكة) ، لأنّ هؤلاء جميعهم يطيعون أمر الله ، والله عزوجل هو الفاعل الحقيقي ، كما أنّ الملائكة التي تتوفّى الأرواح لهم رئيس أيضاً الذي يسمى بملك الموت وسائر الملائكة الموكلين بقبض الأرواح يعتبرون مسيّرين من قبل هذا المَلك.
* * *