ولبيان كيفية خلطهم بين الآلة والفاعل والتباس الأمر عليهم نضرب مثالاً لتقريب هذا الموضوع إلى الأذهان.
لقد طرأ تطور كبير على علم الفلك منذ عصر «غاليلو» فقد تمكن العالم الايطالي غاليلو بمساعدة رجل يمتهن صناعة النظارات من صنع تلسكوب صغير وقد غمر الفرح كيانه إثر هذا الانجاز ، وعند المساء كان غاليلو يشاهد النجوم بواسطة ذلك التلسكوب الصغير فظهرت أمامه أعاجيب لم يرها أحدٌ من قبل ، وعندما علم غاليلو بأنّه توصل إلى كشف سر عظيم ، اعتبرَ أنّ في ذلك اليوم حصل الإنسان على مفتاح كشف أسرار العالم العلوي!.
فالإنسان قبل اكتشاف التلسكوب كان كالفراشة العاجزة عن رؤية ما حولها باستثناء أغصان معدودة من أغصان الأشجار المحيطة بها ، ولكنّه عندما أمسك بالتلسكوب بيده صار بإمكانه مشاهدة عالم كبير من الأشجار الموجودة حوله في غابة الكون العظيم.
ثم استمرَّ هذا الاكتشاف والتكامل حتى صنعت التلسكوبات الفلكية العظيمة التي بلغ قطر عدساتها عدّة أمتار ، وقد نصبت هذه التلسكوبات على مناطق مرتفعة بعيداً عن الهواء الملوث.
واستطاعت هذه التلسكوبات التي تبلغ من الضخامة أحياناً بحجم بناء متعدد الطوابق أن تيسّر للإنسان مشاهدة حقائق كثيرة في العالم العلوي لم يسبق له أنّ شاهد منها بعينه المجردة بنسبة واحد من الألف.
هذا ما توصل إليه الإنسان حتى عصرنا الحاضر ، فإذا تطورت التقنية وتمكن الإنسان من صنع تلسكوبات يبلغ قطر عدساتها مائة متر واصبحت ملحقاتها تملأ رقعة من الأرض بسعة مدينة كاملة فإلى أي مدى سيصل الإنسان في اكتشافاته في مثل هذه الحالة؟!
وهنا يتبادر هذا السؤال إلى الاذهان : إذا ما فقدنا هذه التلسكوبات فإننا سوف نفقد قسماً كبيراً من معلوماتنا ومشاهداتنا الفلكية قطعاً ، ولكن يا ترى من المشاهد الحقيقي؟ فهل هو التلسكوب أم الإنسان؟! وهل يعتبر التلسكوب هو الناظر الحقيقي أم هو آلة ننظر نحن من خلالها؟!