اللاحقة لتلك الآية السابقة من سورة الحج من آيات البحث قال تعالى : (وَانَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيبَ فِيهَا وَانَّ الله يَبْعَثُ مَنْ فِي القُبُورِ).
لقد ورد هذا التعبير في القرآن بشكل واسع جدّاً فأحد أسماء القيامة هو «يوم البعث» (الروم / ٥٦)، أو «يوم يُبعثون» وجاء هذا التعبير في ست آيات من القرآن(١).
وهذا التعبير تكرر ذكره كثيراً حتى في أسئلة المشركين التي كانوا يسألونها من النبي الأكرم مثل : (ءَاذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماًءَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ) (٢). (الصافات / ١٦)
«البعث» : له مفهوم واسع في اللغة ، فقد حمله البعض على أنّه بمعنى «الارسال» والبعض الآخر على أنّه بمعنى «الايصال» ، وفّسره آخرون ، ب «النشر» ولكن يظهر من موارد استعماله المختلفة أنّ له مفهوماً واحداً ، إلّاأنّه يتغيّر تبعاً لمورد استعماله بما يناسبه ، كارسال النبي صلىاللهعليهوآله لابلاغ الرسالة ، وبعث الجيش للجهاد ، أو الإنسان النائم لأداء وظيفته ، أو نشر الأموات للحساب ، أو ارسال الحيوان للحركة (٣).
والسبب في اطلاق هذا التعبير على القيامة للمناسبة الموجودة بين البعث وابتداء الحركة في الأموات الذين يخرجهم الله من القبور ، ومن ثم يبعثهم للحساب نحو محاكم القيامة ، وبعدها نحو الجنّة أو النار ، فكلّ واحد من هذه المراحل هو مصداق «للبعث».
ويلاحظ أنّ هناك تعبير آخر في آيات القرآن يقارب في افُقِه مادة «البعث» وهو مادة «بَعْثَرة» (على وزن مَنْقَبَة).
ولم يأتِ هذا التعبير في القرآن إلّافي آيتين ، الموضع الأول : (وَاذا القُبُورُ بُعْثِرَتْ). (الانفطار / ٤)
وفي الموضع الآخر هو الآية : (أَفَلَا يَعْلَمُ اذَا بُعثِرَ مَافِى القُبُورِ). (العاديات / ٩)
وبالرغم من أنّ ارباب اللغة فسّروا مادة «بعثرة» بالتقليب والنشر ، لكنّ الراغب في المفردات احتمل أن تكون هذه الكلمة مركبة من كلمتي «بعث» واثيرت» ، فتكون الاولى
__________________
(١) الأعراف ، ١٤ ؛ الحجر ، ١٦ ؛ المؤمنون ، ١٠٠ ؛ الشعراء ، ٨٦ ؛ الصافات ، ١٤٤ ؛ ص ، ٧٩.
(٢) جاء هذا المعنى في الآيات التالية : الاسراء ، ٤٩ و ٩٨ ؛ المؤمنون ، ٨٣ ؛ الواقعة ، ٤٧ ؛ الانعام ، ٢٩ ؛ المؤمنون ، ٣٧.
(٣) المفردات للراغب ؛ ومقاييس اللغة ؛ والتحقيق في كلمات القرآن الكريم.