نفيها أيضاً ، وبما أننا لانمتلك دليلاً على استحالة ذلك فإننا نكتفي في هذا المجال بأدلة كتاب الله والسنّة من دون تأويل ظواهرهما (١) وبتعبير آخر إنّ دليل العقل يعجز عن إثبات هذه المسألة فعندما يتمكن الدليل العقلي من إثبات ذلك فإنّه لا يبقى أمامنا سوى التسليم للدليل النقلي.
هذا بالإضافة إلى مايراه البعض من أنّ المعاد الجسماني مطابق للدليل العقلي ويقولون بأنّ روح الإنسان تنمو بموازاة نمو البدن وترتقي معه إلى الكمال. لذا فإنّه توجد هناك رابطة وثيقة بين «الروح» و «البدن» فتؤثّر حالات كلٍّ منهما في الآخر ، فالآلام الجسمية تؤثّر على الروح كما أنّ الآلام الروحية تؤثّر على الجسم أيضاً ، فالسكينة وراحة البال في كلٍّ منهما له تأثير إيجابي على الآخر بصورة تامة.
على هذا فإنّ الروح والجسم رفيقان حميمان ينشآن وينموان معاً.
ولا شك في أنّ الموت يقطع هذا الارتباط بصورة مؤقتة ، ولكن من أجل إقامة العدالة الإلهيّة والوصول إلى العقاب والثواب التام يجب أن تعاد تلك الرابطة على مستوى ارقى كي يتم لقاء الروح برفيقها الحميم ليتمكن من التحرك ونيل المواهب المعنوية والمادية التي اعدت لها في الآخرة أو تحمّل العذاب إن كانت تستحق العقاب.
وقصارى القول إنّ إعادة كل واحد من هذين الاثنين بمفرده يعني وجود نقص في المعاد وكمال المعاد لا يتمّ إلّاعن طريق إعادتهما معاً.
ورغم أنّ الروح هي التي تتلقى العقاب أو الثواب واللذة أو الألم لكننا نعلم جيداً بأنّ الكثير من هذه الآلام والملاذ تتلقاها الروح عن طريق الجسم ، فإذا عُدِم الجسم فإنّ قسماً كبيراً من هذه الملاذ أو الآلام لن يبقى لها أيّ تأثير.
بناءً على هذا فالعقل يقول : يجب أن يقترن هذان ببعضهما في الآخرة كما كانا مقترنين في الدنيا ، وذلك لأنّ كل واحد منهما يعتبر ناقصاً لوحده (فتأمل).
* * *
__________________
(١) قال المرحوم العلّامة المجلسي في بحار الأنوار : إنّ المعاد الجسماني هو من المسائل المتفق عليها بين الأديان ويعدُّ من ضروريات الدين ، ومن أنكر ذلك فقد خرج عن الإسلام. فالآيات صريحة الدلالة على ذلك ولا تقبل التأويل كما أنّ الأخبار متواترة في هذا المجال ولا تقبل الانكار (بحار الأنوار ، ج ٧ ، ص ٤٧).