بما أنّ جسم الإنسان يفنى عن آخره فإنّ إعادته يوم القيامة من قبيل إعادة المعدوم ، ونحن نعلم باستحالة إعادة المعدوم ، فمن هنا تصبح مسألة المعاد الجسماني أمراً معضلاً.
ولكننا لو أمعنّا النظر في هذه المسألة لتبيّن بأنّ إعادة المعدوم بتلك الصورة ليس بمحال ، ويتضح أيضاً بأنّ المعاد ليس من قبيل إعادة المعدوم.
توضيح ذلك : لقد استدل الفلاسفة بأدلة متعددة على استحالة إعادة المعدوم ، حتى أنّهم يرون بأنّ استحالة إعادة المعدوم إلى الوجود من الامور البديهية ، وذلك لأنّ إعادة الشيء يجب أن تكون إعادة من جميع الجهات ، ومن البديهي أنّ الشيء الذي كان موجوداً بالأمس يستحيل أن يعاد اليوم بجميع خصوصياته ، وذلك لأنّ «وجوده بالأمس» هو من أحد خصوصياته فكيف يمكن أن نجمع بين اليوم والأمس في آن واحد؟ هذا عين التناقض.
ولكن إذا ما صرفنا «النظر عن هذه الخصوصية بالذات فإنّه لا يبقى أي مانع من إعادة عين الموجود الأول بجميع خصوصياته باستثناء خصوصية الزمان. ومن البديهي أنّ الموجود الجديد لا يكون عين الموجود السابق بالدقّة التامّة بل هو مثله ، بهذا يعود النزاع في مسألة استحالة أو عدم استحالة المعدوم إلى نزاع لفظي ، فالمنكرون يقولون باستحالة إعادة جميع الحيثيات ، بينما يقول المؤيدون بإمكان الإعادة بجميع الحيثيات «باستثناء الزمان».
وممّا لا شك فيه أنّ أنصار تحقق المعاد الجسماني لا يعتقدون بإعادة نفس الموجود المقيد بالزمان الماضي ، بل بإعادة الشي في زمانٍ آخر فهو عين الموجود السابق من جهة ومثله من جهة اخرى. (فتأمل).
وإذا ما تجاوزنا ذلك لا يُعتبر المعاد من مصاديق إعادة المعدوم ، وذلك لأنّ الروح لا تفنى وتبقى بعينها ، وبالرغم من اضمحلال الجسم وتفرّقه فهو «لا يفنى أيضاً ، بل يتحوّل إلى تراب ، وكل ما في الأمر أنّه يفقد شكله الظاهري فيعاد إليه يوم القيامة شكله السابق. فإذا كان المراد من إعادة المعدوم إعادة الصورة فحسب فإنّ ما يعاد يوم القيامة هو صورة مشابهة للصورة السابقة ، لكنّ بقاء الروح مع وحدة مادة الجسم هما العامل الرئيسي لحفظ وحدة