ومن الملفت للنظر أنّ التعبير ب «العود» جاء على لسان المشركين وجاحدي المعاد أيضاً : (فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِى فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَّرةٍ). (الاسراء / ٥١)
والتعبير ب «المعاد» اخِذَ من هنا أيضاً ، بالطبع أنّ هذا التعبير دليل واضح على مسألة المعاد الجسماني ، وذلك لأنّ الروح لا معاد لها ، بل إنّها تحافظ على بقائها حتى ما بعد الموت ، والذي يعاد في يوم القيامة هي الحياة الجسمانية للجسم ، حيث تحل الروح بالجسم ثانية.
والنقطة المهمّة التي تجب الإشارة إليها هي أنّ التشبيه هنا طبقاً للتفسير الوارد في آية بحثنا هذه هو تشبيه لأصل العود إلى الحياة (أتى بهذا التفسير المرحوم الطبرسي في أول كلامه عن هذه الآية ، وورد هذا التفسير في روح البيان أيضاً).
ولكن عدداً من المفسرين من بينهم الفخر الرازي في «التفسير الكبير» والعلّامة الطباطبائي في «الميزان» وصاحب المنار في تفسيره وآخرون قالوا : إنّ التشبيه هنا بالنحو التالي ، وهو أنّ الله خلق الناس في البداية على فريقين : فريق مؤمن وفريق كافر (انتخب فريق طريق الهداية تحت ظل هداية الأنبياء ، وانتخب الآخر طريق الضلالة تحت تأثير وساوس الشيطان) وفي يوم القيامة أيضاً يحشرهُم على شكل فريقين : فريق مؤمن سعيد وفريق كافر شقي مستشهدين بالآية التالية : (فَرِيقاً هَدَى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ). (الاعراف / ٣٠)
والأعجب من ذلك هو أنّ الفخر الرازي جعل هذه الآية دليلاً على الجبر في السعادة والشقاء الذاتيين!
بينما لو دقّقنا النظر في آيات القرآن الأخرى المشابهة لهذه الآية لوجدنا أنّ التشبيه إنّما هو في مسألة الهداية بعد الموت لا في الهداية والضلالة الحاصلين في الدنيا ، جاء في قوله تعالى : (اللهُ يَبْدَأُ الخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِليهِ تُرْجَعُونَ). (الروم / ١١)
وفي الآية (٢٧) من نفس السورة قال تعالى : (وَهُوَ الَّذِى يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) (الروم / ٢٧)
وهناك آيات اخرى أيضاً تُعطي نفس هذا المعنى (سورة يونس / ٤ ، النمل / ٦٤ ، العنكبوت / ١٩).