وكانوا يضعون إلى جوار كلٍ من الأموات سِفراً يُعينه ويَهديه في سَفرهِ إلى ذلك العالم ، وذلك السِفر العجيب يحتوي على جُمل ينبغي على الميّت أن يقولها أمام الإله العظيم «آزيريس» كي تبرأ ذمّته ، وهذه الجُمل هي :
إنّ العظمة تليق بك أيّها المتعال! إله الحقيقة والعدالة!
إنني لم اراوغ مع الناس الذين كنت أعيش معهم ، ولم اضجّر امرأة عجوزاً ولم أكذب في محكمة ، ولم أدنّس نفسي بالحيل وتلفيق الحقائق.
إنني لم احمّل العامل أكثر ممّا يطيق من عمل في يوم واحد ، ولم أتماهل في انجاز وظائفي ، ولم اتّخذ من التواني موضعاً ، ولم أرضَ بهتك المقدسات ولم أنمَّ على عبدٍ لدى سيده ، ولم أُلقِ برزق احدٍ إلى القطط! ولم أقتل ، ولم أسرق لفائف وأمتعة الموتى (١).
إنني لم اغتصب أرض أحد ولم أصد عن رضع الأطفال ، ولم أُوقِفْ جريان نهرٍ ، إنني طاهر طاهر! ...
أيّها القضاة! افسحوا المجال أمام هذا المرحوم فاليوم يوم الحساب ، وهذا لم يقترف ذنباً ولم يكذب ولم يُسْ ، إنّه نصر الحق والانصاف في حياته ، فكان الناس يحمدون أفعاله وقد أرضى الإله ، إنّه أطعم الجياع وقدّم القرابين في سبيل الإله ومدّ الموتى بالغذاء ، أنّ فمه طاهر ويديه طاهرتان أيضاً.
قال المؤرخ المذكور (آلبر ماله) في نقد هذا الكلام : يلاحظ بوضوح من خلال هذه العبارات كيفية تصنيف المصريين للذنوب الكبيرة والحسنات والمستحبّات (٢).
ويجب أن نضيف إلى هذا الكلام أَن هذه العبارات تدل أيضاً على أنّ هؤلاء كانوا يؤمنون بالحساب الإلهي بالإضافة إلى إيمانهم بتمحيص الأعمال وإيمانهم بوجود الجنان ، كما يجب أن نضيف إلى هذا أَنّ هذه الأعمال أشبه ما تكون بتلقين الميّت لدى المسلمين ، وتشير إلى تطهير السلوك من دنس جميع الذنوب ، هذا بالإضافة إلى قياس حجم الذنوب بالنسبة إلى بعضها البعض.
__________________
(١) المراد من لفائف الموتى ظاهراً هو القماش الذي يلف على أجسام الموتى لتحنيطهم ، وكان ذا قيمة عالية ، أمّا الأمتعة فهي الغذاء الذي كانوا يدفنونه مع الموتى على أمل أن ينفعهم في حياتهم بعد الموت.
(٢) «آلبر ماله» تاريخ ملل شرق ويونان ، ج ١ ، ص ٧٤.