الآية (وأكّدت على الإخلاص في العمل).
وجاء في رواية اخرى في سبب نزول هذه الآية أَنّ رجلاً أتى النبي صلىاللهعليهوآله فقال : يارسول الله إنّي أتصدق وأصل الرحم ولا أصنع ذلك إلّالله تعالى فيذكر ذلك مني وأحمد عليه فيسّرني ذلك وأعجب به ، فسكت رسول الله صلىاللهعليهوآله ولم يقل شيئاً ، فأنزل الله تعالى : (فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) (١).
إنّ هذه الروايات الواردة في سبب نزول الآية تدل بوضوح على أنّ الإخلاص التام يعتبر اساس العبادة والعمل الصالح ... الإخلاص الذي لا يشوبه شيء من الرياء ولا يحتوي على ايّ نوع من أنواع الشرك.
* * *
والآية الثانية تتحدّث عن القصة المعروفة وهي نذر اهل بيت النبي الأكرمصلىاللهعليهوآله صيام ثلاثة أيّام واهداؤه طعام الافطار إلى «المسكين» و «اليتيم» و «الأسير»، وهذه الآية تشير بوضوح إلى هذه الحقيقة وهي أنّ هذا الايثار الذي لا مثيل له ينبع من الإيمان بالمعاد ، قال تعالى : (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً* إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لَانُريدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَاشُكُوراً* إِنا نَخَافُ مِنْ رَّبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً) (٢).
أجل إنّ من يخاف الله ويخاف يوم الجزاء ، لا ينفق ممّا فَضَل عن حاجته فحسب ، بل ينفق ممّا هو بأمسّ الحاجة إليه وذلك في سبيل الحبيب الذي لا مثيل له ، هذا بالإضافة إلى أنّه ينفقه بإخلاص تام ، ولا ينفقه من أجل الحصول على مكافأة أو اظهار الشكر على لسان من أحسَن إليهم ، وهذا انّما يدل على أنّ الإيمان بذلك اليوم العظيم هو محفّز قوي لعمل
__________________
(١) تفسير القرطبي ، ج ٦ ، ص ٤١٠٩.
(٢) «عبوس» بمعنى متقطّب الوجه و «قمطرير» بمعنى صعب وشديد ، وتشبيه يوم القيامة بالإنسان العبوس هو تعبير لطيف يصوّر ما لذلك اليوم من رعب وخوف شديدين ، ثم إنّ كلمة «قمطرير» على رأي البعض مشتقة من مادة «قَمْطَر» وعلى رأي البعض الآخر هي من مادة «قُطر» (على وزن قُفل) ، ولكن المشهور هو الرأي الأول. الدهر آية ٧ ـ ٩.