خلاف الأصل وما لم يتوفر الدليل على التقدير فلا يجب الأخذ به.
وبناءً على هذه الحقيقة نعود إلى التفسير الأول ، فممّا لا شك فيه أنّ ملاقاة الربّ ليست حسيّة ، وذلك لأنّ الملاقاة الحسيّة تصدق في موارد الجسم الذي له مكان وزمان ولون وكيفيات اخرى ، على نحوٍ يمكن مشاهدتها بواسطة العين.
بل المراد هو المشاهدة الباطنية والملاقاة الروحية والمعنوية مع الله ، وذلك لأنّ الحُجُب تُرفع يوم القيامة ، وتظهر آيات الله في المحشر وجميع مشاهد ومواقف القيامة بنحوٍ يجعل الكافرين أيضاً يشاهدون الله ويلاقونه ببصائر القلوب! (وإن كانت تلك اللقاءات متفاوتة كيفياً).
يقول المرحوم العلّامة الطباطبائي في تفسير الميزان : «ينبىء أنّه تعالى هو الحق لا سترة عليه بوجه من الوجوه ولا على تقدير من التقادير فهو أبده البديهيات التي لا يتعلق بها جهل لكن البديهي ربما يغفل عنه فالعلم به تعالى هو ارتفاع الغفلة عنه الذي ربّما يعبر عنه بالعلم وهذا هو الذي يبدو لهم يوم القيامة فيعلمون أنّ الله هو الحق المبين ، كما أشار إلى ذلك الآية الكريمة : (وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ) (١). (النور / ٢٥)
وفي حديث طويل أتى رجل إلى الإمام علي أمير المؤمنين عليهالسلام وقال : حصل لي شك في القرآن المجيد!
قال له الإمام عليهالسلام : «ثكلتك أمك وكيف شككت في كتاب الله المنزل؟».
قال الرجل : إني وجدت الكتاب يكذِّبُ بعضهُ بعضاً ... ثم قال بعد طرحه عدَّة إشكالات : يقول القرآن الكريم : (وُجُوهٌ يَومَئِذٍ نَّاضِرَةٌ* إِلَى رَبِّهَا نَاظِرةٌ) ، ويقول في موضع آخر : (لَّاتُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ) ، فقال له الإمام عليهالسلام : «اللقاء هنا ليس بالرُّؤية ، بل اللِّقاءُ هنا بمعنى البعث فافهَمْ جميع ما في كتاب الله من لقائهِ فانَّهُ يَعني بذلك البعث» (٢).
وفي الحقيقة أنّ أمير المؤمنين عليهالسلام يفسّر مسألة لقاء الله تعالى بشيء يكون الله تعالى من
__________________
(١) تفسير الميزان ، ج ١٥ ، ص ٩٥ وج ١٠ ، ص ٦٩.
(٢) توحيد الصدوق ، ص ٢٦٧ (مع التلخيص).