رافقوا «طالوت» (قائد الجند الّذي نُصِّب من قبل الباري تعالى) في حربهم مع «جالوت» الملك الظالم ، وبعد خوضهم لامتحان صعب تخلّف فريق منهم ولم يبقَ في ساحة القتال إلّا عدد ضئيل ، ثم إنّ هذا العدد الضئيل انقسم بدوره إلى قسمين ، فقسم منهم استحوذَ عليهم الخوف والهلع فقالوا : (قَالُوا لَاطَاقَةَ لَنَا اليَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ). (البقرة / ٢٤٩)
وفي قبال هذا القسم ، قسم آخر كانوا يعلمون بأنّهم ملاقو الله حيث قالوا : (قَال الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُوا اللهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثيرةً بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرينَ).
والتعبير بـ «يظنون» ـ على رأي كثير من المفسرين ـ وَرَدَ هنا بمعنى «اليقين بقيام يوم القيامة» وهو كذلك ؛ لأنّ هذا الحديث صدر عن الذين خاضوا مختلف أنواع الامتحانات ، ثم دخلوا ساحة الجهاد بإيمان راسخ.
ولا يخفى أنّ «الظنَّ» بمعنى الاعتقاد الناشىء من الأدلة والشواهد ، وكلّما كانت الأدلة قوية ، فإنّه سوف ينتهي إلى العلم وكلّما ضعفت شواهده فإنّه لايتجاوز حدّ الوهم.
وقال بعض المفسرين أيضاً : إنّ الظن هنا لا يصل حدّ العلم ، لكن «لقاء الله» لم يأتِ هنا بمعنى القيامة ، بل جاء بمعنى الشهادة في سبيل الله ، أي أنّ هذا الحديث كان صادراً عن الذين كانوا يظنّون بأنهم سوف ينالون وسام الشهادة الرفيع.
لكنّ هذا المعنى بعيد جدّاً ، وذلك لأنّه لا يتناسب مع «غلبة الفئة القليلة على الفئة الكثيرة» ، بالإضافة إلى أنّ «لقاء الله» الذي ذُكِر في آيات القرآن يدل عادةً على القيامة لا على الموت أو الشهادة.
وعلى أيّة حال فمن البديهي أنّ الذين يؤمنون بالقيامة لا يعتبرون الموت نهاية الحياة أبداً ، بل يعتبرونه بداية حياة أرقى فمثل هؤلاء لا يخافون الموت بل يذهبون لاستقباله بكل شجاعة وشهامة.
* * *