في أبعاد مختلفة وحيثيات متعددة ، وابتداءً من الآية السادسة فما بَعدها اشير إلى الآثار السلبية لعدم الإيمان بالمعاد.
ففي الآية السادسة قال تعالى : (فِى جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ* عَنِ الُمجْرِمِينَ* مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ) (١).
فينادي أصحاب السعير ليبّينوا أسباب دخولهم النار ويلخصونها في أربعة عوامل هي : ترك الصلاة ، وترك اطعام المساكين ، ومعاشرة أهل الباطل ، وأخيراً التكذيب بيوم الجزاء على الدوام ، قال تعالى بلسان حالهم (قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ المُصَلِّينَ* وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ المِسْكِينَ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الخَائِضِينَ* وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَومِ الدَّينِ).
إنَّ هذه الآيات تدلَّ بوضوح على أنّ أحد عوامل السقوط في احضان جهنّم ، وَالعامل الأساس المؤدّي إليها هو إنكار يوم الجزاء ، الذي يجعل من الإنسان موجوداً غير مكترثٍ ولا مسؤول وفاقد للتقوى والإيمان.
والجدير بالذكر هو أنّ المتسائلين لم يسألوهم : لماذا ألقاكم الله في النار؟ بل كان سؤالهم : ما هو السبب الذي أدّى إلى دخولكم النار؟ ، وذلك لتوضيح القانون الطبيعي الذي يربط «المنكرات والعقائد السيئة» ب «دخول جهنّم».
وممّا يجدر الإشارة إليه أيضاً هو أنّ العامل الأول من هذه العوامل الأربعة ، هو ترك الارتباط بالله (الصلاة) ، والثاني هو ترك الارتباط بالضعفاء (اطعام المساكين) ، والثالث هو معاشرة أهل الباطل (الخوض مع الخائضين) ، والرابع هو عدم الإيمان بالقيامة.
والتأكيد على «يَومِ الدِّينِ» (يوم الإدانة) من بين أسماء القيامة هو للدلالة على هذه الحقيقة وهي أنّ المحرّك الرئيسي نحو الإيمان والعمل الصالح هو الاعتقاد بأنّ يومَ القيامة هو يوم الإدانة والجزاء.
* * *
__________________
(١) «سَقَر» على وزن «سَفَر» في الأصل من مادة «سَقْر» على وزن «فَقْر» وهي بمعنى التبدّل والذوبان إثر حرارة الشمس ، وعدّ البعض (مثل صاحب مقاييس اللغة) من معانيها الاحراق والاحتراق أيضاً ، وفي «صحاح اللغة» عدّها من أسماء النار ، وعلى أيّة حال فإنّ انتخاب هذا الاسم لجهنم هو من أجل أنّ جميع المعاني مجموعة فيها ، وجاء في كتاب «التحقيق» أَنّ سقر هي نفس النار لا محلّها كما هو الحال في جهنم.