فهذه المراقبة وتلك الغرامات تؤدّي إلى استقرار نظام المرور حتّى في الطرق الخارجية.
فإذا كانت المراقبة والمحاسبة من قبل الإنسان غير المعصوم من الوقوع في الخطأ لها هذا الأثر ، فإنّ أثر الإيمانِ بمراقبة الله الدائمة ، الذي يعلم أسرار ما يكن الإنسان وما يعلن ، والإيمان بمحكمة العدل التي تحاسب على ما مقداره «مثقال ذرّة» والتي لا تنفع معها الشفاعة ، فإنّ عمق تأثير هذا الإيمان واضح من دون الحاجة إلى البرهان.
ومن الواضح أَنّ هذا الأمر يتبدّل من صورة أفعال متفرّقة إلى عادة دائمة ومن عادة إلى ملكة ، وتتحوّل الحقيقة التي يطلق عليها اسم «الوجدان الاخلاقي» و «التقوى الإلهيّة» في قلب الإنسان إلى إيمانٍ راسخ.
إنّ الغاية الاساسية من وجود المحاكم والعقوبات المطبقة وكذلك المكافآت والمدح السائد هي إيجاد الاستقرار وهيمنة القانون وتربية الإنسان ، والفرق بين المحاكم الموجودة في هذه الدنيا وبين المحكمة الإلهيّة هو أنّ هذه المحاكم يمكن استئناف الأحكام الصادرة عنها ، وغالباً ما تخضع أحكامها لتأثير الوساطة والرشوة ، بالإضافة إلى نقص القوانين المتّبعة فيها والاستثناءات والأحكام الفرعية ، وإمكان الإتيان بأدلّة كاذبة تؤدّي في أكثر الموارد إلى خلاص المجرمين من مخالب العدالة ، أو أحياناً إلى تأخير صدور الحكم إلى سنين عديدة بسبب الاستفادة من الروتين ، لكنّ محكمة القيامة لا تحتوي على أيّ شيء من هذه النواقص ، بل كما سنشير لاحقاً فإنّ المكافآت والعقوبات هناك تشبه إلى حدٍّ كبير الآثار والخواص الطبيعية للأشياء ، فهل يمكن تبديل آثار الدواء النافع إلى آثار سمٍ قاتل عن طريق الإتيان بأدلّة كاذبة واستخدام الوساطة والرشوة؟!
إنّ ممّا لا شك فيه هو أنّ الإيمان بمثل هذه المحكمة له أثر في تربية وتطهير الإنسان يفوق كثيراً آثار المحاكم الدنيوية.
ومن ناحية اخرى فإنّ الإيمان بهذه المحكمة يؤجج روح الايثار والتضحية في قلب الإنسان ، وذلك لقاعدة : (مَا عِندَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِندَ اللهِ بَاقٍ). (النحل / ٩٦)
فهذه الدنيا ممرٌّ ودنيا فانية ، بينما سوف يبقى ما ذُخِر لذلك العالم مستقراً وخالداً ، فأيّ