خطيباً فيهم فقال : «صبراً بني الكرام فما الموت إلّاقنطرةٌ تعبُرُ بكُمْ عن البؤس والضَّراء إلى الجنان الواسعة والنعيم الدائمة ، فأيَّكُم يكرهُ أن ينتقل مِنْ سجنٍ إلى قصرٍ»؟
والّذي دعا الإمام لإلقاء خطابه هذا هو أنّه كان كلّما اشتدّ حصار الأعداء عليه وعلى أصحابه وكلّما حَمِيَ الوطيس كان وجهه أكثر اشراقاً ونفسهُ أكثر اطمئناناً ، هنا قال أصحابه لبعضهم الآخر : «انظروا إليه إنّه لا يبالي بالموت»!
فسمع الإمام هذا منهم فالقى عليهم الخطاب المذكور ، ثم أضاف إليه قوله : روى أبي عن جدي رسول الله صلىاللهعليهوآله أنّه قال : «إنّ الدُّنيا سجنُ المؤمن وجنّةُ الكافر ، والموت جسرُ هؤلاء إلى جنانهم وجسر هؤلاء إلى جحيمهم ما كذِبتُ ولا كُذِّبت» (١).
فالسّر في ملحمة عاشوراء وشجاعة الإمام الحسين عليهالسلام وأصحابه ، التي لم يكن لها مثيل والتي سُجِّلت في التاريخ بأحرفٍ من ذهب لامعه ، يجب أن نبحث عنه في هذا الميدان أيْ الإيمان الراسخ لهؤلاء بالمعاد والحياة الآخرة الخالدة.
٥ ـ إنّ تأثير الإيمان بالمعاد في إصلاح الأعمال بلغ من الوضوح حداً جعل أمير المؤمنين علياً عليهالسلام يتعجّب ممن يؤمن بالآخرة ولا يسعى في إصلاح أعماله ، قال عليهالسلام : «عجبتُ لِمَنْ يَعلمُ أنّ للأعمال جزاءً كيف لا يُحسنُ عَملَهُ» (٢).
٦ ـ ونختتم كلامنا هذا بحديثٍ عميق المغزى عن مؤسس الإسلام النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله : عند حديثه صلىاللهعليهوآله عن علامات أهل اليقين قال صلىاللهعليهوآله : «ومن علائمه أنّه : أيقن بأنّ الجنّة حقٌ فاشتاق إليها ، وأيقن بأنّ النار حقٌ فظَهَر سعيهُ للنجاة منها ، وأيقن بأنّ الحسابَ حقٌ فحاسَبَ نفسهُ» (٣).
إنّ الروايات المَرويّة في هذا المجال كثيرة جدّاً وما ذكرناه هنا ما هو إلّاقليل منها ، وتتفق جميعها على أنّ الإيمان بالدار الآخرة له أثر عميق في تربية الإنسان.
* * *
__________________
(١) بحار الأنوار ، ج ٤٤ ، ص ٢٩٧ (باب فضل الشهداء معه وعلّة عدم مبالاتهم بالقتل) ، ونقل المرحوم الصدوق هذا الحديث في كتاب «معاني الإخبار» عن علي بن الحسين عليهالسلام في باب «معنى الموت» ص ٢٨٨.
(٢) غرر الحكم ، ج ٢ ، ص ٤٩٥.
(٣) تحف العقول ، ص ٢٣.