ساعات العمل عمّا كان عليه سابقاً ، وازيحت الاعباء التي كانت تثقل كاهل الإنسان وأُلقي ثقلها على كاهل عجلات المصانع العظيمة ، وفي المنازل أيضاً تحملت الآلات الكهربائية أعباء القيام بالأعمال الصعبة فأصبحت المنازل أكثر تطوراً وعدّة ، والوسائط النقلية أكثر فائدة ، فالسفر الذي كان في الماضي يعتبر قطعة من الجحيم أصبح اليوم من أسباب الرّاحة واللهو ، وأخيراً أدْخَلَت وسائل اللهو الحديثة والجيّدة على حياته لوناً جديداً.
فعلى غرار هذا التطوّر فإنّه يُتوقّع أن يعيش الإنسان في عصرنا الحاضر وهو يتمتع بهدوءٍ تام ، وصحّة تامة من الناحية البدنية والروحية معاً ، لكننا نرى بوضوح أَنّ الاضطراب والقلق ينتابانه أكثر ممّا كان عليه سابقاً.
والأسباب الرئيسية في هذا الأمر هي الشعور بتفاهة الحياة وعدم كونها هادفة ، والشعور بعدم وجود ملجأ عند حلول المعضلات المدمّرة ورسم صورة مرعبة للموت والتشاؤم القاتل ، والخوف من المستقبل المجهول للعالم وللحياة الشخصية ، وممّا لا شك فيه هو أنّ الإيمان بالآخرة ، والحياة الخالدة فيها التي تكتنفها العدالة والطمأنينة بإمكانه أن يُنهي كل هذا القلق.
قال البروفسور المعروف «يونغ» : إنّ ثلثي المرضى الذين قدموا اليّ من جميع انحاء العالم للعلاج هم أفراد مثقفون وموفقون في حياتهم لكنّهم يعانون من مرضٍ خطير وهو الشعور بتفاهة الحياة ، والسبب في ذلك هو أنّ إنسان القرن العشرين بسبب التقدّم التقني وقصور الرؤية والتعصّب ، فقد الدين فعاد يبحث عن هويته ومالم يعثر على دين فإنّه سوف لن يهدأ ، «وذلك لأنّ فقدان الدين يؤدّي إلى تفاهة الحياة وفقدانها لمفهومها» (١)!
وهنا نلجأ إلى القرآن ونطلب منه العون : ففي سورة يونس نلاحظ إشارة لطيفة في هذا المجال في قوله تعالى : (الَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لَاخَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَاهُمْ يَحْزَنُونَ ...* لَهُمُ البُشرَى فِى الحَيَاةِ الدُّنيَا وَفى الاخِرَةِ). (يونس / ٦٢ ـ ٦٤)
أجل إنّ هؤلاء تعلّقت قلوبهم بالله والتحقوا بركب الأولياء في هذا الوجود ، واعتبروا
__________________
(١) معاد از نظر روح وجسم ، ج ١ ، ص ٤٤.