حُكمه ترجعون» كما يقال أحياناً : «رَجَع امرُ القوم إلى الأمير».
ولكن هل من الصحيح أن نعتبر حذف مثل هذه الكلمة في جميع الآيات؟ وما هو الداعي أساساً للتقدير والقول بالحذف؟ ، بل إنّ هناك سبب خاص لهذا التعبير القرآني حتماً والذي يجب علينا البحث عنه من خلال سعينا المتواصل ، ومن أجل الحصول على جواب لهذا السؤال علينا أن نعود إلى بداية خلق الإنسان.
خاطب تعالى الملائكة في القرآن بقوله : (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِى فَقَعُوا لَهُ سَاجِديِنَ). (الحجر / ٢٩)
ممّا لا شك فيه أنّه لا يُقصَد من الروح في الآية الروح التي انفصلت عن ذاته تعالى ؛ وذلك لأنّه واجب الوجود وأنّه بسيط وفاقد للأجزاء التركيبية في جميع الأبعاد ، بل المقصود هو نفخ روحٍ منفصلة عن روح عظيمة ، والتي هي من أشرف مخلوقات الله ، (وباصطلاح الحكماء إنّ هذه الإضافة هي «إضافة تشريفية»).
وعلى هذا فإنّ روح الإنسان الرفيعة سيقت من العالم العِلوي إلى العالم الترابي واتحدت بهذا التراب المظلم ، كي ترقى إلى درجات الكمال ثم تنفصل عن التراب وتعود إلى العالم العِلوي ثانية.
ومن الصحيح أنّ الجسم والروح كلاهما يعادان في يوم القيامة طبقاً لمبنى المعاد الجسماني ، ولكن ينبغي الالتفات إلى أنّ الروح هناك لا تعود إلى الجسم بل الجسم هو الذي يعود إليها فيرتقي ويتكامل! ولذلك فإنّ الجسم الاخروي يخلو من النواقص والعاهات الجسمية التي حلت به في الدنيا ، فتلف وفساد الأبدان والكهولة وقابلية الفناء والألم والمرض والتعب كلها تزول في ذلك اليوم (فتأمل).
ولتصوير مسألة حلول الروح في البدن ومن ثم العودة إلى العالم العِلوي فقد شبه بعض العلماء روح الإنسان بالغوّاص الذي يربط في رجله جسم ثقيل للغوص في أعماق البحر لاستخراج الجواهر الثمينة ، فإنّه عندما يصل إلى قعر البحر ويجمع الجواهر يُلقي بذلك الجسم الثقيل من أجل العود إلى سطح البحر ، وهذا هو معنى «الرجوع» (فتأمل).