الموت ومواجهة تتائج الأعمال والخوف من العاقبة ، وإمّا أن يكون بسبب فراق الدنيا والأقارب والامور التي تعلق قلبه بها.
ويستفاد من الروايات أنّ الأنبياء والالهيين الذين لم تتعلق قلوبهم بحب الدنيا ولم يخافوا العاقبة ، والذين يمتازون بطمأنينة متميّزة بسبب ذلك ، إنّ هؤلاء أيضاً لهم نصيب من هذه المعضلات والشدائد التي تنزل في هذه اللحظة ، كما جاء في ذكر حالات النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله أنّه عند آخر لحظات عمره المبارك ، كان يضع يده في إناءٍ فيه ماء ويمسح بيده على وجهه ويقول «لا اله إلّاالله» ، ثم يقول : «إنّ للموتِ سكرات» (١).
وَرُوِي عن على عليهالسلام أيضاً أنّه قال : «إنّ للموت غَمَراتٍ هي أفظع من أن تستغرِق بصفةٍ أو تعتدل على عقول أهل الدنيا» (٢).
ولو وضعنا كل هذا في جهة ، فمن جهة اخرى يستفاد من الآيات أمرٌ آخر أيضاً وهو أنّ انفصال الروح عن الجسد يتّم بصورة تدريجية ، وهذا «بنفسه يزيد من الهلع» ، فإنْ كان الانفصال فورياً ويتم خلال لحظة واحدة لكان تحمّله أسهل.
وقد جاء في الآية التاسعة من آيات البحث قوله تعالى : (كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ* وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ* وَظَنَّ أَنَّهُ الفِرَاقُ* وَالتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ* إِلَى رَبِّكَ يَومَئذٍ الْمَسَاقُ).
وجاء نفس هذا المعنى في قوله تعالى : (فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الحُلْقُومَ* وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ). (الواقعة / ٨٣ ـ ٨٤)
و «تراقى» : جمع «ترقوة» وهي العظام التي تحيط بأطراف الرقبة ، ووصول الروح إلى الحلقوم هو كناية عن اللحظات الأخيرة من العمر ، ويحتمل توقف الأعضاء البعيدة عن القلب والمخ عند انفصال الروح قبل الأعضاء الاخرى.
وجملة «التفت الساق بالساق» من المحتمل أن تكون للدلالة على ما ذُكر (ففي تفسير مجمع البيان جعل توقف السيقان عن العمل من أحد تفاسير هذه الجملة).
__________________
(١) تفسير روح البيان ، ج ٩ ، ص ١١٨.
(٢) غرر الحكم.