التي سوف يُبْتَلَوْنَ بها في الدار الآخرة ، وبتعبير آخر : إنّ من يخاف الموت هم ثلاث فرق :
الفرقة الاولى : وهم من يعتبرون الموت أمراً يساوي الفناء والعدم ، فالعدم مرعب ، والفقر والمرض والضعف والعجز هي من عوامل الرعب ،؟ لأنّها بمعنى عدم الثروة وعدم السلامة وعدم التمكّن وعدم القدرة ، فالإنسان هو من سنخ الوجود ، والوجود يأنس بالوجود كما يأنس الحديد بالمغناطيس ، لكنّه لا يسانخ العدم ولا يأنس به ، فما عليه إلّاأن يهرب منه.
لكننا إذا اعتبرنا الموت سُلَّماً للصعود إلى «وجودٍ أرقى» وكنّا نعتبر العالم الذي يلي الموت لا يقاس بهذا العالم من جهة السّعة والنعيم ، وكنّا نعدّ الدنيا سجناً والموت بمثابة التحرر من هذا السجن ، وإذا شبّهنا الحياة بالقفص بالنسبة إلى طائر والموت بانفتاح هذا القفص وتحليق الطائر ، فسوف لن يصبح الموت أمراً مرعباً ، بل سوف يكون في بعض الموارد محبوباً ومستساغاً ، قال أحد الحكماء :
مُتْ أيها الحكيمُ واقلع عن مثل هذه |
|
الحياة فإنّك إن مُتَّ فسوف تخلد |
فيسافر طائر روحك إلى العُلا |
|
عندما تحررها من أسرِ الطمع |
وقال شاعر آخر :
انني طائر جنّة الملكوت ، ولستُ من عالم التراب |
|
لقد صنعوا من جسمي قفصاً قصير الامد |
إنّ أسعد الأيّام هو ذلك اليوم الذي أطير به نحو الحبيب |
|
فترفّ جناحايَ بأمل الوصول إلى دياره |
وأخيراً يستقبل شاعر آخر الموت بصدرٍ رحب ، فيدعوه إليه قائلاً :
إن كان الموت إنساناً لقلت له أقبل إليّ |
|
لأضّمه إلى صدري بشوق شديد |
كما أحصل منه على روحٍ خالدة |
|
ويحصل منّي على جنَّةٍ خلقة |