نفخ الصور : ففي النفخ الأول تموت جميع الاحياء الموجودة في الأرض والسماء ، وفي النفخ الثاني والذي هو نفخة الحياة يحيا الجميع ويتأهبون للحساب والكتاب ، لكن الآيات الاربع السابقة الذكر كلّها أو جلّها تتعلق بالنفخ الثاني أي نفخ الحياة في القيامة.
ومهما يكن من شيء فإنّ هذا التصوير للقيامة من قبل القرآن يصور للانظار الوقائع العديدة التي تقع عند ذلك اليوم ، وهذا التعبير هو أحد التعابير العديدة التي تحتوي على معنىً دقيق والتي تصوّر للضمائر وقائع ذلك اليوم الصعبة المرعبة فتنبّهها من غفلتها.
أمّا البحث عن معنى «الصور» ومفهوم «النفخ» والخصوصيات الاخرى فسوف نتناوله في محله إن شاء الله ، ولكن ولأجل الاطّلاع على محتوى هذا التعبير نتطرق لذكر الحديث النبوي الشريف الذي يذكر مجموعة من تلك الوقائع والذي ورد في تفسير الآية الرابعة من بحثنا هذا (الآية ١٨ من سورة النبأ) :
قال «معاذ بن جبل» سألت رسول الله صلىاللهعليهوآله عن تفسير الآية : (يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً) فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : «يامعاذ بن جبل سألت عن أمرٍ عظيم ثم أرسل عينيه باكياً ، ثم قال : «يحشر عشرة أصناف من أمتي أشتاتاً قد ميّزهم الله تعالى من جماعات المسلمين ، وبدلّ صورهم ، فمنهم على صورة القردة وبعضهم على صورة الخنازير وبعضهم منكسون ، أرجلهم أعَلاهم ، ووجوههم يسحبون عليها ، .... ، .... ، وبعضهم يمضغون ألسنتهم ، فهي مُدلاة على صدورهم ، يسيل القيح من أفواههم لعاباً ، يتقذرهم أهل الجمع ، .... ، وبعضهم مصلبون على جذوع من نار ، وبعضهم أشد نتناً من الجيف ، وبعضهم ملبسون جلابيب سابغة من القطران لاصقة بجلودهم ؛ فامّا الذين على صورة القردة فالقَتَّات من الناس ـ يعني النمام ـ وأمّا الذين على صورة الخنازير ، فأهل السحت والحرام والمَكس ، وأمّا المنكسون رؤوسهم ووجوههم ، فأكلة الربا ، .... ، .... ، والذين يمضغون ألسنتهم : فالعلماء والقصاص الذين يخالف قولهم فعلهم ، ... ، والمصلبون على جذوع النار : فالسعاة بالناس إلى السلطان والذين هم أشد نتناً من الجيف فالذين يتمتعون بالشهوات واللذات ويمنعون حق الله من أموالهم ، والذين يلبسون الجلابيب : فأهل الكِبْر والفخر والخيلاء» (١).
__________________
(١) ذكر هذا الحديث عدد كبير من المفسرين مثل أبي الفتوح الرازي والقرطبي وروح البيان وقد أوردنا الحديث باختصار.