ففي الآية الاولى قال تعالى : (يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرءُ مَاقَدَّمَتْ يَدَاهُ). (النبأ / ٤٠)
بما أنّ مسألة تصور الأعمال في ذلك اليوم العظيم ومشاهدة جميع الأعمال التي ارتكبها الإنسان في هذه الدنيا يُعتبر أمراً غير معقول لكثير من المفسرين فإنّهم فسّروا «ينظر» حيناً بمعنى «ينتظر» ، وحيناً آخر بمعنى مشاهدة كتاب الأعمال أو مشاهدة ثوابها وعقابها.
والسبب الذي دفعهم إلى ذلك هو أنّ المفسرين في تلك العصور لم يمعنوا النظر في مسألة تجسّم الأعمال ، وإلّا فما الضرورة لهذه التقديرات والتأويلات ؛ وذلك لأنّ القرآن يقول : إنّ الإنسان سوف يشاهد بعينيه في ذلك اليوم كل ما ارتكب من قبل ، أي أنّ نفس أعماله التي فنيت مادياً في الظاهر لم تفن في الواقع وسوف تبقى وتظهر للعيان بصورةٍ ما ، وليس بالضرورة أن يراها جميع أهل المحشر ، كما جاء نفس هذا المعنى أكثر وضوحاً في الآية : (وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً)! (الكهف / ٤٩)
وورد نفس هذا المعنى بجلاء في الآية الثانية أيضاً قال تعالى : (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً). (آل عمران / ٣٠)
وممّا يثير الاهتمام هنا هو ما قاله المرحوم «الطبرسي» في «مجمع البيان» في تعليقه على الآية الثانية ، قال : «فأما أعمالهم فهي اعراض قد بطلت ولا يجوز عليها الاعادة ، فيستحيل أن ترى محضرة» ، لذا ذهب إلى تفسيرين آخرين أحدهما حضور كتب الأعمال ، والثاني حضور جزاء الأعمال من ثوابٍ وعقاب.
ولكن كما أشرنا في كتاب (التفسير الأمثل) ، أنّ أعمال الإنسان هي نوعٌ من الطاقة مثل جميع أنواع الطاقة الموجودة في العالم ، فإنّها لا تفنى أبداً بل تتغير اشكالها وهي باقية قطعاً.
وقلنا أيضاً بأنّ تحوّل «المادة إلى «طاقة» والطاقة» إلى «مادة» كلاهما أمر ممكن من الناحية العلمية ، فعلى هذا لا مانع من بقاء أعمال الإنسان وتحولها في ذلك اليوم إلى مادة ، وظهور كل واحد منها على هيئة مناسبة لحاله ، وبناءً على هذا فإنّ الآيات المذكورة تُمثّل في الواقع جزءً من المعجزات العلمية للقرآن والتي لم تكن حين نزول القرآن معروفة لأحد،