وهذا التعبير المذكور أعلاه انعكس بصورة اخرى في آيات القرآن المجيد أيضاً ، ففي احدى الصور قال تعالى : (كَأَنَّمَا اغْشِيَتْ وُجُوهُهُم قِطَعاً مِّنَ الَّيْلِ مُظلِماً). (يونس / ٢٧)
وجاء في صورة اخرى قال تعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ* ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ). (عبس / ٣٨ ـ ٣٩)
وفي الثالثة : (وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ* تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ). (عبس / ٤٠ ـ ٤١)
متى تَحِلُّ هذه الواقعة؟ ومتى تبيضُّ وجوهٌ وتسودُّ وجوهٌ اخرى؟
يرى البعض أنّ هذا سيقع عندما تتفرق الصفوف عن بعضها للورود إلى الجنّة أو الدخول إلى النار ، ويرى البعض الآخر أنّ هذا سيقع عند مشاهدة صحائف الأعمال ، ويرى آخرون إنّه سيقع عند الخروج من القبور أو عند الوقوف إزاء ميزان العدل الإلهي.
ولكن بما أنّ ذلك اليوم هو يوم إبراز وظهور حقائق الأفراد والأعمال فإنّه يبدو أنّ وقوع هذا الأمر يتمّ في أول وهلة عند خروج الناس من القبور ويستمر فيما بعد.
من هم أصحاب الوجوه البيض ومن هم أصحاب الوجوه السود؟
للمفسرين في الجواب على ذلك احتمالات عديدة ، وأحياناً حصروا ذلك في أشخاص محدودين ، ولكن الظاهر أنّ جميع المؤمنين أصحاب العمل الصالح يكونون في صف أصحاب الوجوه المبيضة وجميع أهل الكفر والمجرمين في صف أصحاب الوجوه المسودّة.
وأخيراً أراد بعض المفسرين أن يحمل هذين التعبيرين على مفهومهما المجازي فقالوا البياض هو لبيان السرور والفرح والسواد لبيان الغم والهم (١).
ولكن لا يوجد هناك ضرورة لارتكاب مثل هذه المخالفة للظاهر ، بل يجب حمل الآية على المعنى الحقيقي لها ، فعندما يقول القرآن :
(يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيْهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ). (حديد / ١٢)
فما الذي يثير العجب من أن تكون هناك وجوه بيض منيرة ووجوه سود مظلمة؟
__________________
(١) تفسير المراغي ، ج ٤ ، ص ٢٥.