إِمْرءٍ مِّنْهُمْ يَؤَمِئذٍ شَأنٌ يُغْنِيهِ). (عبس / ٣٤ ـ ٣٧)
من الطبيعي أن يكون أقرب وأحبّ الأفراد للإنسان هم الأخوة والأم والأب والزوجة والأولاد ، ومن العجيب أنّ القرآن لم يقُلْ إِنَّ الإنسان في غفلة عن هؤلاء في ذلك اليوم بل قال : إنّه يفرُّ من الأُمِّ التي كان يحبها كثيراً أو الأب الذي يكُنٌّ له التقديرَ والاحترام ومن الزوجة التي كان يعشقها ، والأولاد الذين كانوا ثمرة قلبه ونور عينيه! بلى إنّه يفرّ منهم جميعاً!
إنّ هؤلاء كانوا ملجأً له من مشاكل الدنيا ، وسكناً له في المصائب الشدائد ولكن ما الذي يحدثُ هناك بحيث يفرّ منهم؟!
إن صيحة يوم البعث والذي عبر عنها القرآن الكريم بـ «الصاخة» والتي وردت في الآية التي سبقت الآيات المذكورة في موضوع بحثنا ، حيث وصفت هذه الصيحة بالعظمة بحيث تمزق عُرى كافة الأواصر ، وهذا الصوت من الرهبة بحيث يدخل الرعب والرهبة على القلوب ويصم الآذان.
فلماذا يفرّ المرءُ؟
هل يفرّ خوفاً من الفضيحة أمام أقرب الخلق إليه؟
أو خوفاً من تبعات الذنوب التي ارتكبها؟
أو يفرّ من حقوق الناس التي تثقل عاتقه؟ فمن المحتمل أن يطالبه هؤلاء بحقوقهم في ذلك اليوم الذي تكون فيه يد الإنسان خالية من كلّ شيء!
أو لا هذا ولا ذاك بل إنّه يهرب من شدّة الخوف والرعب في المحشر حيث إنّ هذا الموقف يُرغمُ كلَّ إنسانٍ على الهرب أحبّته والاهتمام بنفسه ولا غير ، كي يجد لها مخلصاً ممّا هي فيه.
إنّ كل واحد من هذه الامور الأربعة يكفي لوحده أن يكون مدعاة للهرب والخلاص فكيف الحال إذا اجتمعت معاً؟
جاء في الحديث الشريف إنّ أحد أقرباء النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله سأله عن : ثلاثة مواقف يوم القيامة لا يفكر أحد إلّابنفسه : ١ ـ الميزان ٢ ـ الصراط ٣ ـ تطاير الكتب (١).
__________________
(١) تفسير البرهان ، ج ٤ ، ص ٤٢٩ ، ح ١.