هؤلاء ، قال تعالى : (يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ). (ق / ٣٠)
ويوجد في تفسير هذه الآية رأيان : الأول هو أنّ الاستفهام هنا «استفهام إنكاري» ، أي أنّ جهنم في الجواب عن هذا السؤال هل امتلأت؟ تقول بتعجب هل هناك زيادة على هذا؟ للدلالة على أنّه لم يبق فيها مكان فارغ.
والاحتمال الثاني أنّ الاستفهام «استفهام تقريبي» ، أي هل هناك أفراد آخرون يردون جهنم؟ على هذا المعنى تكون النار دائماً في حالة البحث عن الظالمين المجرمين ، ويشبه حالها حال الإنسان الشره الذي يطلب دائماً طعاماً كثيراً ولا يشبع من ذلك أبداً ، ولا عجب أن لا تشبع النار من المذنبين الظالمين ولا تشبع الجنّة من الصالحين.
إلّا أنَّ بعض المفسرين أوردوا على هذا التفسير إشكالاً بأنّه لا يتناسب مع هذه الآية : (لَأَمْلَئَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ اجْمَعِينَ). (السجدة / ١٣)
وعلى هذا الأساس فلابدّ من الرجوع إلى التفسير الأول (١) ، ولكن يمكن الجواب على هذا الإشكال بأنّ الامتلاء له درجات ، كما لو مُلىء صحن من الطعام وأعطي لشخص فيطلبُ أن يُزادَ له فيه.
وفي مسألة كيفية الاستفسار من جهنم وجوابها قال البعض : إنّه سؤال من خزنة وحفظة جهنم وجوابهم ، وقال البعض إنّ هذا الاستفسار والجواب هو بلسان الحال وقيل أيضاً إنّه يفهم من مجموع آيات القرآن وبعض الأخبار بأنّ جهنم موجود حىّ قادرة على النطق ونباءً على هذا فإنّه من الممكن تفسير الآية بنفس المعنى الظاهري لها (٢).
وعلى أيّة حال فإنّ هذه الآية توحي بكثرة أصحاب النار وجدّية التهديد الإلهي لهم ، وتنذر الجميع أن لا يكونوا من هذه الزمرة فيها فهذه التحذيراتُ من الممكن أن توقظ الإنسان وتجعله يراجع نفسه ويتوقف عن الاستمرار في ارتكاب الذنوب والخطايا.
* * *
__________________
(١) هذا الإشكال في تفسير الكبير ، ج ٢٨ ، ص ١٧٤ ؛ وتفسير روح المعاني ج ٢٦ ، ص ١٧ ؛ وتفسير الميزان ، ج ١٨ ص ٣٨٤ نقلاً عن بعض المفسّرين.
(٢) ذكر في تفسير روح البيان ج ٩ ، ص ١٢٧ ، شواهد من الآيات والروايات لإثبات هذا المعنى.