وأقول :
هذا الحديث رواه البخاري على نحو ورقتين من آخر كتاب الأدب في باب اسم حزن ، وباب بعده ، باللفظين الذين ذكرهما المصنف رحمهالله (١) و هو دال على العجرفة الشديدة ، وقلّة المبالاة برسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم والردّ عليه ، ولذا بقيت فيهم الحزونة.
ولا ريب أنّ من يصدر منه مثل ذلك فيما لا يضره ، بل ينفعه ، لا يستبعد منه المخالفة فيما يراه نفعاً وإن كان حراماً .
وأما مسألة بريرة ، فإنّ كانت من هذا الباب ، كان الطعن وارداً أيضاً ، وإلا فذكرها خطأ ، وواضح أن بريرة كانت في سؤالها على جانب كبير من الأدب والورع لا تقاس بحزن ، إذ استفهمت أنّه إن كان الطلب من نوع الأمر فهي تمتثله مُرغمة ، وإن كان من نوع الشفاعة حفظ اختيارها ، فهي لا تطيق الرجوع إلى مغيث ، فإنّها كانت أمة تحت مغيث فأعتقت ، وخيّرها النبی صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فاختارت نفسها ، وكانت تبغض مغيثاً ، حتّى قال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم للعباس : ألا تعجب من حبّ مغيث بريرة ، ومن بغض بريرة مغيثاً ، كما رواه البخاري في كتاب الطلاق (٢) .
على أنه يمكن أن تعذر عرفاً في امتناعها من مراجعة مغيث ، لشدة بغضها ، له ، لا سيما وهي امرأة لا تجد نفسها محلاً للعتب.
__________________
(١) راجع الصفحة ١٦٥ هامش ٢ من هذا الجزء.
(٢) في باب شفاعة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في زوج بريرة ، منه رحمهالله ، صحيح البخاري ٧ / ٨٥ ح ٢٨.