تهجين مذهب المجبرة
قال المصنّف ــ أعلى الله درجته ــ (١) :
أفلا ينظر العاقل بعين الإنصاف ويجتنب التقليد واتباع الهوى ، والاستناد إلى أتباع الدنيا ، ويطلب الخلاص من الله تعالى ، ويعلم أنه محاسب غداً على القليل والكثير والفتيل والنقير (٢) ؟ !
فكيف يترك اعتقاده ويتوهم أنه يترك سدى ، أو يعتقد بأن الله تعالى قدر علي هذه المعصية وقضاها فلا أتمكن من دفعها عني فيبريء نفسه قولاً لا فعلاً ؟! فإنّه لا ينكر صدور الفعل من الإنسان إلا مكابر جاحد للحق ، أو مريض العقل بحيث لا يقدر على تحصيل شيء البتة .
ولو كان الأمر كما توهموه ، لكان الله تعالى قد أرسل الرسل إلى نفسه وأنزل الكتب على نفسه ، فكل وعد ووعيد جاء به يكون متوجهاً إلى نفسه ؛ لأنه إذا لم يكن فاعل سوى الله تعالى فإلى من أرسل الأنبياء ، وعلى أنزل الكتب ، ولمن تهدّد ووعد وتوعد ؟ ! ولمن أمر ونهى ؟!
أعجب الأشياء وأغربها أنّهم يعجزون عن إدراك استناد أفعالهم أنه إليهم ، مع معلوم للصبيان والمجانين والبهائم ، ويقدرون على تصديق الأنبياء والعلم بصحة نبوّة كلّ مرسل ، مع استناد الفساد والضلال والتلبيس
__________________
(١) نهج الحق : ٣٧٢ .
(٢) الفتيل : ما كان في شقّ النواة ، والنقير : النكتة في ظهر النواة ، يضرب بها مثلاً للشيء التافه الحقير القليل . تاج العروس ١٥ / ٥٦٤.