وأما ما ذكر من تولية عمر له على الشام فصحيح ، لكن لا تدلّ على فضيلة له ، وأن الإشكال في المولّي أعظم، وتوليته له إحدى مطاعنه ؛ لوجود كبار الصحابة السابقين الذين هم أولى منه بالولاية ، وأصلح للدين ، كما سبق مثله في تولية عثمان لأقاربه ((١)) ، بل عَزلَ عمر به من هو أولى منه بالأمارة ، فقد روى الترمذي في مناقب معاوية :
« أنّه لمّا عزل عمر عمير بن سعد ((٢)) عن حمص ، ولى معاوية ، فقال الناس : عزل عميراً وولّى معاوية» ((٣)) الحديث .
ولا شك أنّ هذا القول منهم إنّما هو لظهور فسق معاوية ، أو ظهور فضل عمير عليه ، فلم يحط عمر الإسلام نُضحاً .
وقد سبقت رواية البخاري ومسلم عن النبي صلی الله علیه و اله وسلم أنه قال :
«ما من عبد استرعاه الله رعيّةً فلم يحطها بنصيحة إلا لم يجد رائحة الجنة» ((٤))
ولكن يا لَلْعَجبِ !! قد أضاف الراوي إلى ذلك : «أنّ عميراً قال :
لا تذكروا معاوية إلا بخير ؛ فإنّي سمعت رسول الله صلی الله علیه و اله وسلم يقول :
« اللهم ! اهد به » .
١- راجع ج٤٠٩/٧
٢- عمير بن سعد بن عبيد الله بن النعمان الأوسي الأنصاري ، وقيل بن سعد بن شهيد وقيل سعد بن عبيد بن قيس ، كان يقال له نسيج وحده ، كان قد شهد فتح الشام وأستعمله عمر بن الخطاب على حمص وقيل دمشق أيضاً ، سكن الشام ومات بها وقيل نزل بفلسطين ومات بهاآنظر : الاستيعاب ٣/ ١٢١٥ ت ١٩٨٣ ، أسد الغابة ٢٨٩/٣ ت ٤٠٦٩ ، سير أعلام النبلاء ١٠٣/٢ ت ١٢ .
٣- سنن الترمذي ٦٤٥/٥ رقم ٣٨٤٣ .
٤- راجع ج ٤٣١/٧
إذ أيُّ مناسبة بين معاوية والهداية به ؟!
فهل من الهداية به إلحاقه العَهارَ ((١)) بالنسب جهراً ((٢)) ، وإضلاله قطرالشام حتى أماتهم ميتة جاهليّةً ؛ لجهلهم بإمام زمانهم وخروجهم عليه ((٣)) ؟!
وهل من الهداية به لبسه الحرير والديباج ، وشربه الخمر ، واستعماله أواني الذهب والفضة ((٤)) ؟ !
إلى غير ذلك مما يتهتك به ، كما ستعرف .
وليت عمر بعد ما ولاه على رقاب المسلمين يسمع به قول قائل ، أو لا يَمدّه في غيه بالمال، أو لا يغضي عما يعمله من سييء أفعاله .
روى في «الاستيعاب» بترجمة معاوية: «أنّه ذُمّ يوماً عند عمر، فقال : دعونا من ذم فتى قريش»((٥)).
وروى أيضاً : أنّه كان يجري عليه في كل شهر ألف دينار» ((٦)) .
١- العهار : عهر اليها يعهر عهراً وعهوراً وعهارةً وعهورة وعاهرها عهاراً : أتاها ليلاً للفجور . ثمّ غلب على الزنا مطلقاً وقيل هو الفجورأنظر : لسان العرب ٤٥١/٩ ، تاج العروس ٢٧٩/٧ مادة « عهر » .
٢- إشارة إلى استلحاقه زياد ابن ابيه ونسبه لأبي سفيان علانيةً
٣- إشارة إلى خروج معاوية ومعسكره من أهل الشام لحرب أمير المؤمنين صلی الله علیه و اله وسلم في صفين
٤- سنن أبي داود ٦٧/٤ رقم ٤١٣١ كتاب اللباس ، مسند أحمد ٣٤٧/٥ ، الاستيعاب ٨٣٦/٢ رقم ١٤٢٤ [دون أن يسمّي معاوية ] ، تاريخ دمشق ١٩٧/٢٦ - ١٩٨ وص ١٩٨ ٢٠٠ في ترجمة عبادة بن الصامت برقم ٣٠٧١ و ج ٣١٢/٢٧ بترجمة عبد الله بن الحارث بن أُمية بن عبد شمس برقم ٣٢٣٠ بن عبد شمس برقم ٣٢٣٠ ، و ج ٤٢٠/٣٤ ، أسد الغابة ٣٥٣/٣ رقم ٣٣٢٢ ، شرح نهج البلاغة ٥/ ١٣٠ ،الاصابة ٣٢١/٤ رقم ٣٤٠ بترجمة عبد الرحمن بن سهل بن زيد الأنصاري .
٥- الاستيعاب ١٤١٨/٣ .
٦- الاستيعاب ١٤١٦/٣ .