وأقول :
الإجمال بعد التفصيل ربّما يكون حسناً في الكلام الواحد لاشتماله على فائدة ، فكيف إذا كان في في المقام ظاهرة ، وهي كلامين ، وفائدته زيادة التنبيه على الحق ، وتأكيد الحجّة ؟ !
وقد عرفت أنّ كلّ مدرك يعلم ببديهته أنّه موجد لفعله ومؤثر فيه ، لا أنه محل لفعل غيره ، كما يزعم القوم (١) ، وعرفت ــ أيضاً ــ أن الكسب الأشعري خال عن المعنى (٢) ، على أنه إن كان للعبد تأثير في الكسب فقد وقع الأشاعرة فيما فروا منه ، وإلا فلا فائدة في إثباته ، كما أنه لا معنى لإرسال الرسل إلى المباشر والمحل الذي لا تصرّف له في العمل ، وإنّما يتصوّر إرسالهم إلى من له الأثر في الأعمال ، ولا معنى ــ أيضاً ــ لعدم قبح الفعل ممّن أوجده ، وقبحه ممن لم يوجده ، ولم يؤثر فيه أصلاً وإنما كان محلاً صرفاً .
وأمّا جوابه عن تعجّب المصنف رحمهالله فتكرير لمورد التعجب ؛ إذ كيف يستند الضلال إلى من لا أثر له فيه لمحض كونه محلاً له ، ولا يستند إلى موجده ومؤثره ، وهل هذا إلا سفسطة ؟!
وأما قوله : « ولا كلّ من خلق ما يعد فساداً وضلالاً فهو فاسد» ، فصحيح ، لكنه لا بد أن يكون مفسداً ومضلاً ، فلا يبقى وثوق بشرائعه ، ولا علم ولاظنّ بشيء من الاعتقادات ، وهذا محض الكفر وليس من جهة
__________________
(١) راجع ٣ / ١١٧ وما بعدها من هذا الكتاب .
(٢) راجع ٣ / ٣١٠ وما بعدها من هذا الكتاب