وأقول :
لا يخفى أنه إذا كان الصدّيقون لا يرون أعمالهم شيئاً ، والمؤمنون لا يجزمون بقبولها وجب بمقتضى الحديث الأوّل أن لا يكون عمر صديقاً ولا مؤمناً ؛ لدلالته على أنّه يعد أعماله في أيام رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم شيئاً ، لا وأنّها مقبولة عند الله تعالى ؛ ولذا تمنى أن يردّ بها أعماله بعده رأساً برأس ، وهذا ــ أيضاً ــ من الاعتراف عند الناس بالذنب ؛ لأن تمنّى المعادلة بين العملين يدلّ على الإقرار بفساد عمله بعد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ليكون العمل الصالح المعلوم منجياً من العمل الفاسد المعلوم .
وبالجملة : طريق الصدّيقين أن لا يروا أعمالهم شيئاً ، ولا يعتمدوا على شيءٍ منها أصلاً ، فأين هذا من تمنّي المعادلة بين ما يحكم عليه بالقبول بلا دليل ، وبين ما يعرف فساده ؟ ! كما لا دخل له بالتواضع ؛ فإنّه لا يناسب الاعتداد بشيء من الأعمال .
هذا في الحديث الأوّل الذي رواه البخاري في أواخر الجزء الثاني (١) .
وأما الحديث الثاني الذي رواه البخاري ــ أيضاً ــ في مناقب عمر (٢) : فهو أيضاً لا يناسب قول الصدّيقين ؛ لأن تخصيص عمر لبعض الأعمال وتمنّيه أن يفتدي من عذاب الله عليها بملء الأرض ذهباً ، دليل عن أنّها من الموبقات ، وأنّه عرف منها الوبال عليه ، وهذا لا ربط له بكلام الصدّيقين ، وينفع المصنف رحمهالله في إثبات الاعتراف بالذنب عند الناس.
__________________
(١) صحیح البخاري ٥ / ١٦٤ ح٣٩٥
(٢) من الكتاب المذكور . منه قدسسره ، صحيح البخاري ٥ / ٧٩ ــ ٨٠ح١٨٨.