وأقول :
لا دليل في قول عائشة : «لوددت أني كنت نسياً منسيّاً» على توبتها ، لاحتمال إرادتها الأسف من أنّها لم تشف فؤادها ، ولم تبرد غليلها من أمير المؤمنين عليهالسلام بقرينة خطابها مع ابن الزبير ، إذ يبعد أن تظهر التوبة في خطابه عن أمر يكون طعناً فيه وفي أبيه ، مع إقامته على العداوة الشديدة لولي المؤمنين عليهالسلام .
ولو سلّم ، فهذا القول وحده لا يكفي في التوبة مالم تخرج عمّا أراقته من دماء المسلمين وما نهبته من أموالهم ، فإن السبب هنا أقوى من المباشر ، والتوبة من ظلم الناس لا تحصل بدون أداء الحقوق لأهلها.
واحتمال معذوريتها وعملها بالاجتهاد مخالف لحالها ، من يوم استعدادها لحرب أمير المؤمنين إلى انتهائه ، كما مرّ بيانه ، على أن الاجتهاد لا يسقط حقوق الناس ، لا سيما بعد ظهور الخطأ .
وأما ما زعمه في قصة العسل من : أنّ النساء لا يؤاخذن على الغيرة ، فمن الجهل الواضح ؛ إذ لو فرض أنهن لا يؤاخَذْنَ على نفس الغيرة ، فكيف لا يؤاخذن على ما أدّت إليه من المحرمات ، كإيذاء رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم والكذب عليه ، والتظاهر على الكيد به ؟!
وأما استبعاده لحمل السرّ على شرب العسل أو تحريمه ، فقوي جداً ، لكن لا يضرّ في طعن المصنف رحمهالله على عائشة بما أقرت به على نفسها من التواصي على النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم والكذب عليه ، وتسبيب أن على نفسه ما يحبّه أي أمر كان .