وأقول :
قد مرّ ما فيه في مآخذ عمر عمر (١) ، وأنّ دعوى الدهشة لا تناسب الإسراع إلى السقيفة والعمل الذي عمله عمر بها ، والتزوير الذي زوّره بنفسه لأجلها ، ودعوى فرط المحبة لا تجامع إيذاء النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم المشجية ، بنسبة الهجر إليه في وجهه ، واللغط عنده ، ورد أمره بأسوأ ردّ ، ولا تجتمع مع الإعراض عن دفنه أياماً.
ومن العجب قوله : «وهذا من تجاهل العارف» فإن التجاهل إنّما يحصل من الملتفت ، ولذا أضيف إلى العارف .
وقد زعم أن عمر اعترته حالة مدهشة أغفلته عن جواز الموت على النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فكيف تكون تجاهلاً ؟
والحق أن كلامه من عَمْد العارف ؛ لعدم اندهاشه ــ كما عرفت ــ ولعلمه يقيناً قبل موت النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بأنه يموت ؛ لأنه نعى نفسه الشريفة إليهم مراراً عديدة ، وقد تخلف عمر وأصحابه عن جيش أسامة انتظاراً لوفاته صلىاللهعليهوآلهوسلم .
ونسبه إلى الهجر ، وقال : حسبنا كتاب الله علماً بمماته ، وإنّما حكم بعدم موت النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، خوفاً من وقوع البيعة لأمير المؤمنين قبل حضور أبي بكر من السُّنح ، فقال تلك المقالة ليشغل الناس عن التوجه إلى بيعة علي عليهالسلام إلى أن يحضر أبو بكر ويتفقا مع أعوانهما ، كما سبق توضيحه في
__________________
(١) راجع ٧ / ١٨٣ من هذا الكتاب.