______________________________________________________
وأما ثانيا : فلأن ما ذكره من منع العقل لو لا ذلك من العمل بخبر الثقة غير مستقيم ، إذ العقل لا يحيل التعبد به ، ولأن اللازم من ذلك امتناع العمل به مطلقا ، وهو معلوم البطلان.
وأما ثالثا : فلأن ما ذكره من عمل الأصحاب برواية هؤلاء مناف لما قرره في الأصول من اشتراط إيمان الراوي ، وما أجاب به عن احتجاج الشيخ ـ رحمهالله ـ على عدم اشتراط ذلك بأن الشيعة عملت برواية بني فضال والطاطرية (١) وأضرابهم : من أنه إلى الآن لم يعلم أنّ الشيعة عملت بأخبار هؤلاء (٢).
وبالجملة : فكلام المصنف في هذا المقام لا يخلو من اختلاف. ولتحقيق المسألة موضع آخر.
وهنا شيء ينبغي التنبيه له وهو : إن مقتضى الأخبار المتضمنة لنفي البأس عن سؤر الهرة وغيرها من السباع (٣) طهارتها بمجرد زوال العين ، لأنها لا تكاد تنفك عن النجاسات ، خصوصا الهرة ، فإن العلم بمباشرتها للنجاسة متحقق في أكثر الأوقات ، ولو لا ذلك للزم صرف اللفظ الظاهر إلى الفرد النادر ، بل تأخير البيان عن وقت الحاجة ، وإنه ممتنع عقلا. وبذلك صرح المصنف في المعتبر (٤) ، والعلامة في التذكرة والمنتهى (٥) فإنهما قالا : إنّ الهرة لو أكلت ميتة ثم شربت من الماء القليل لم ينجس بذلك ، سواء غابت أو لم تغب. وقوّى العلامة في النهاية نجاسة الماء حينئذ ، ثم جزم بأنها لو غابت
__________________
(١) قال في رجال النجاشي : ( ٢٥٤ ـ ٦٦٧ ) : علي بن الحسن بن محمد المعروف بالطاطري ، وإنما سمي بذلك لبيعه ثيابا يقال لها الطاطرية. وكان من وجوه الواقفة.
(٢) معارج الأصول : (١٤٩).
(٣) الوسائل ( ١ : ١٦٤ ) أبواب الأسئار ب (٢).
(٤) المعتبر ( ١ : ٩٩ ).
(٥) التذكرة ( ١ : ٦ ) ، المنتهى ( ١ : ٢٧ ).