الرابعة لخارج الاصول ، استخرت الله بكتابه الكريم فجاءت هذه الآية : ( وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ )(١) فتفأّلت بالخير ، وحضرت في محضره الشريف فوجدت صدق التفأّل ، فكان درسه مذهباً للحَزَن وحالاًّ للعُقَد ، وذلك لتوفّر بعض الشرائط والخصوصيّات فيه :
منها : تحرّر فكري وأصالة في مجال البحث والنقد : بحيث يشاهد بوضوح عدم انجذاب عقربة الفكر إلى مدرسة خاصّة من المدارس الموجودة في محافل دروس مرحلة الخارج.
والإنصاف أنّ هذه الدرجة من الحرّية والاعتماد على النفس يلعب دوراً أساسيّاً في تربية التلميذ ، وتكوين شخصيته العمليّة ، وقوّة اعتماده على نفسه في البحث والدراسة بعد ما أراد بخروجه من مرحلة السطح إلى مرحلة الخارج أن يقوم على قدميه ، وأن يُخرج نفسه من هيمنة أفكار الأعاظم وسطوتها مع احترامها والاهتمام بها.
ومنها : السعي أن يعطى البحث ـ حدّ الإمكان ـ إتّجاهاً موضوعيّاً عمليّاً ، ويخرجه من إطار الافتراضات المدرسيّة ، ولعلّ هذا ممّا يلاحظ في مدرسة الشّيخ الأعظم الأنصاري رحمهالله في رسائله ، وممّا يتميّز به مشربه الاصولي ومنهجه عن منهج المحقّق الخراساني رحمهالله في كفايته إلى درجة كبيرة.
فشاهدت في كثير من المباحث عدم الاكتفاء ببيان كليّات المسألة ، وتركها في دائرة الفرض والتصوّر ، بل يستعرض أيضاً ما يعتمد عليه الفقيه في مقام العمل والاستنباط في الأبواب المختلفة من الفقه ( من الاستظهارات العرفيّة ، والارتكازات العقلائيّة ، وما يستظهر من روايات أهل بيت الوحي عليهمالسلام وما فهم منها أصحابنا الإماميّة ( رضوان الله عليهم ) بحسن سليقة ، واستقامة فكر ... إلى أن تصل المسألة إلى موضع من التنقيح والاطمئنان.
ومنها : سلاسة البيان وسهولته ، ممّا يخرج موضوع البحث من التعقيد المحيّر للفكر والعمق المتوهّم والابّهة الخياليج ة المخيّبة لأمل التلميذ في حركته العمليّة.
بل إنّ سهولة بيانه ( دام ظلّه ) قد تصل إلى حدّ توجب تردّد التلميذ في بدء الأمر ، فيحتمل أو يظنّ أنّ للمسألة المطروحة عمقاً آخر ، وأنّه لم يؤدّ حقّها.
__________________
(١) سورة فاطر : الآية ٣٤.