والحقير الفاقد للبضاعة ـ الذي وقع من هذه الجهة في تردّد ووسواس في باديء الأمر ـ كان يسعى في دراسة المسألة قبل الدرس وبعده ، ويعمّق النظر في جوانبها وبمعونة أصدقائه في المباحثة ، فكان ـ بعد فحص كثير وتأمّل بالغ ـ ينتهي في كثير من الموارد إلى أنّ الحقّ في المسألة هو ما أفاده الاستاذ ( دام ظلّه ) بتبسّط في الحديث ومن دون عبارات مغلقة وتعبيرات معقّدة ، وما فهمه بذوقه السليم وفكره الثاقب.
ومن الواضح أنّ ما يلعب دوراً هامّاً أوّليّاً في سلاسة البيان إنّما هو كيفية الورود في المسألة والخروج عنها ، والتحليل الصحيح لموضوع البحث ، وتشقيق الموضوع الكلّي العامّ وتفكيكه وتجزئته إلى موضوعات فرعيّة خاصّة ، وبالجملة إبراز الموضوعات المتشابهة الخارجة عن محلّ البحث ، والإرائة الدقيقة لمحلّ النزاع ، والإنصاف أنّ للُاستاذ ( دام ظلّه ) في هذا المجال تضلّعاً خاصّاً.
ومن الطريف أنّ الاستاذ ( دام ظلّه ) يلقى افاضاته ويؤدّي كلماته بقوّة ونشاط ، وطراوة ونضارة ، تجعل محفل درسه ناشطاً وطريّاً بحيث لا يحسّ أحد بصعوبة وكدورة ، ولا يرى نفسه متأخّراً ومتخلّفاً عن القافلة ، بل أن كلّ شخص يشعر في نفسه في مسرح البحث ، راجياً لفهمه ، ومطمئناً بإدراكه للمسألة.
هذا ـ وقد تذكّرت بعدُ ما كتبه السيّد الحكيم رحمهالله صاحب المستمسك في هامش تقريرات الاستاذ ( دام ظلّه ) لبحثه رحمهالله قبل أربعين سنة ، حيث قال : « ... فوجدته متقناً غاية الاتقان ، ببيان رائق ، واسلوب فائق يدلّ على نضوج في الفكر ، وتوقّد في القريحة ، واعتدال في السليقة ... » فوجدته وافياً لما هو مرادي ، والحمد لله.
وأخيراً : ينبغي أن اشير إلى أنّ من توفيق الله تعالى عرض جميع مباحث هذا التقرير ـ حرفاً بحرف ، وسطراً بسطر ، من البدو إلى الختم ـ على الاستاذ ( دام ظلّه ) وقراءتها له في طيلة الدورة ، ولذلك يشاهد بعض الاختلاف ـ منهجاً ومحتوى ـ بين مباحث الكتاب وما أفاده ( دام ظلّه ) في مجلس المحاضرة ، فقد يتبدّل نظره الشريف حين القراءة على مستوى المنهج أو المحتوى ، أو يخطر ببالي القاصر إشكال أو إضافة نكتة أو رأي ، أو حذفهما ، فيقابلني الاستاذ غالباً ـ مع انشراح صدر وكرامة بالغة ـ بالتأييد أو إيراده تحت عنوان : « إن قلت » ثمّ الجواب