الإشكالات الواردة على هذا القول كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
الأمر السادس : في أنّ الوضع في ألفاظ العبادات والمعاملات هل هو من قبيل الوضع العامّ والموضوع له الخاصّ ، أو الوضع العامّ والموضوع له العامّ؟
ذهب المحقّق الخراساني رحمهالله إلى « أنّ الظاهر أن يكون الوضع والموضوع له في ألفاظ العبادات عامين واحتمال كون الموضوع له خاصّاً بعيد جدّاً لاستلزامه كون استعمالها في الجامع في مثل « الصّلاة تنهى عن الفحشاء » أو « الصّلاة معراج المؤمن » أو « عمود الدين » و « الصّوم جنّة من النار » مجازاً ، أو نمنع استعمالها في الجامع في الأمثلة المذكورة ، وكلّ منهما بعيد إلى الغاية ».
والأولى أن يقال : إنّ طبيعة الوضع في أمثال هذه الألفاظ والمفاهيم يقتضي وضع اللفظ لنفس المعنى الذي تصوّر إلاّ أن يمنع عنه مانع ، وإلاّ فلا داعي لوضع اللفظ لغير ذلك المعنى المتصوّر.
وإن شئت قلت : العدول من الوضع العامّ والموضوع له العامّ إلى الوضع العامّ والموضوع له الخاصّ إنّما يكون لموانع تمنع عنه وإلاّ لم يكن داعٍ إليه كما لا يخفى بالرجوع إلى موارده ، وحيث إنّ في أسماء الأجناس مثل لفظ الشجر والحجر لا مانع لوضع اللفظ لنفس المعنى الجامع المتصوّر فيكون الوضع والموضوع له عامين.
وأمّا في مثل أسماء الإشارة فحيث إنّ في معانيها نوع من الإيجاد والإنشاء ويكون الإيجاد جزئيّاً حقيقيّاً فلا يمكن أن يوضع اللفظ للجامع ، فيحتاج إلى قنطرة بين اللفظ والمعنى وأخذ مرآة للمصاديق الجزئيّة ، فيكون الوضع عامّاً والموضوع له خاصّاً.
وبعبارة اخرى : لا إشكال في أنّ المحتاج إليه في مثل أسماء الإشارة إنّما هو المصداق الخارجي للإشارة ، وإذا وضعت للمعنى الكلّي كما إذا وضع لفظ « هذا » مثلاً لكلّي « المفرد المذكّر » المشار إليه لا يمكن استعمالها في المصداق الخارجي ، ويصير الوضع للكلّي غير مفيد ، فلابدّ من وضعه لمصاديق ذلك الكلّي ، ولا يخفى أنّ ألفاظ العبادات والمعاملات من قبيل الأوّل ، فالصلاة مثلاً اسم جنس تستعمل في جنس الصّلاة لا في المصاديق ( بأن تكون الخصوصيّة جزءً للمفهوم ) فيكون وضعها للمصداق لغواً ، فيستنتج أنّ الوضع في ألفاظ العبادات والمعاملات عام والموضوع له أيضاً عام.