وثانياً : يلزم منه عدم جواز إجراء أصل البراءة ، وهكذا عدم جواز التمسّك بالاطلاق للأعمّي ، أمّا الأوّل فلأنّ المطلوب من المكلّف بناءً على هذا القول هو الحدّ الكامل ، والشكّ في وجوب الأكثر يسري إلى تحقّق ذلك الحدّ وهو يقتضي الاشتغال كما لا يخفى ، وأمّا الثاني فلأنّ الدليل اللّفظي الآمر بالصّلاة مع وضعها لخصوص الحدّ الكامل ليس له إطلاق ، لأنّ المفروض عدم صدق الصّلاة على غير الكامل حقيقة ، ويكون مثل « أقيموا الصّلاة » ناظراً إلى الفرد الكامل ومستعملاً فيه ، فلا يتصوّر في البين قدر جامع يتعلّق به الأمر بالصّلاة حتّى يتحقّق الإطلاق.
الوجه الخامس : أن يكون حالها حال أسامي المقادير والأوزان ، مثل المثقال والحقّة والوزنة والكيلو غرام ، فكما أنّ مقياس الكيلو مثلاً حقيقة في الزائد والناقص ، والواضع وإن لاحظ الف غرام حين الوضع إلاّ أنّه لم يضع له بخصوصه بل للأعمّ منه ومن الزائد والناقص ، أو أنّه وإن خصّ به أوّلاً إلاّ أنّه بكثرة الاستعمال فيهما بعناية إنّهما منه عرفاً قد صار حقيقة في الأعمّ ثانياً.
يرد عليه : واستشكل فيه أيضاً بما مرّ في الوجه السابق :
أوّلاً : بأنّ هذا القياس قياس مع الفارق ، لأنّ الصحيح في العبادات كالصّلاة ونحوها ليس أمراً واحداً مضبوطاً كي يتّخذ مقياساً ويكون هو الملحوظ أوّلاً عند الواضع ثمّ يوضع اللفظ بإزاء الأعمّ منه ومن الزائد والناقص ، بل هو مختلف بحسب اختلاف الحالات والأوقات كما مرّ.
ثانياً : أنّ التسامح في الأوزان يتصوّر في النقصان القليل والزيادة القليلة ، فلا يقاس به الصّلاة التي يكون بين صحيحها وفاسدها تفاوت كثير وبون بعيد.
مضافاً إلى أنّ إطلاق لفظ « الكيلو » مثلاً في الأوزان على الزائد والناقص يكون من باب المجاز والتسامح كما يظهر بمراجعة الوجدان ، فلا يكون ٩٥٠ غرام مثلاً مصداقاً لألف غرام ، أي الكيلو حقيقة ، ولذا إذا اريد توزين الذهب وشراء هذا المقدار ، لا يتسامح فيه شيء ويصحّ سلب اسم الكيلو عمّا يكون أقلّ منه ، وهذا ممّا لا يرضى به الأعمّي في مثل الصّلاة ، وذلك لأنّ الصّلاة تستعمل عنده في الناقص حقيقة لا تسامحاً ومجازاً.
فتبيّن من جميع ذلك إنّه ليس للقول بالأعمّ جامع يمكن وضع اللفظ له ، وهذا من أهمّ