وذهب المحقّق النائيني رحمهالله إلى تفصيل في المقام وقال : « لو قلنا بأنّ ألفاظ المعاملات موضوعة بإزاء الأسباب فلا ينبغي الإشكال في صحّة التمسّك بالمطلقات ولو قلنا بأنّها موضوعة للصحيحة ، لأنّ الإطلاق يكون منزلاً على ما يراه العرف صحيحاً ، وأمّا إذا قلنا بأنّها موضوعة للمسبّبات فيشكل الأمر لأنّ إمضاء المسبّب لا يلازم إمضاء السبب.
وما يقال في حلّه من أنّ إمضاء المسبّب يلازم عرفاً إمضاء السبب إذ لولا إمضاء السبب كان إمضاء المسبّب لغواً ، فليس بشيء ، إذ لا ملازمة عرفاً في ذلك ، واللغويّة إنّما تكون إذا لم يجعل الشارع سبباً أو لم يمض سبباً أصلاً إذ لا لغويّة لو جعل سبباً أو أمضى سبباً في الجملة ، غايته أنّه يلزم حينئذ الأخذ بالمتيقّن ( والاحتياط في الباقي ) فلزوم اللغويّة لا يقتضي إمضاء كلّ سبب بل يقتضي إمضاء سبب في الجملة ».
ثمّ إنّه لمّا رأى نتيجة كلامه ـ وهي عدم إمكان التمسّك بشيء من الإطلاقات الواردة في باب المعاملات ـ خلاف سيرة الفقهاء ، تصدّى من طريق آخر لحلّ الإشكال وقال : « فالتحقيق في حلّ الإشكال هو أنّ باب العقود والايقاعات ليست من باب الأسباب والمسبّبات ، وإن اطلق عليها ذلك بل إنّما هي من باب الإيجاد بالآلة ، والفرق بين باب الأسباب والمسبّبات وبين باب الإيجاد بالآلة هو أنّ المسبّب في باب الأسباب ليس فعلاً اختياريّاً للفاعل بحيث تتعلّق به إرادته أوّلاً وبالذات بل الفعل الاختياري وما تتعلّق به الإرادة هو السبب ويلزمه حصول المسبّب قهراً ، وهذا بخلاف باب الإيجاد بالآلة فإنّ ما يوجد بالآلة كالكتابة هو بنفسه فعل اختياري للفاعل ومتعلّق لارادته ويصدر عنه أوّلاً وبالذات فإنّ الكتابة ليست إلاّعبارة عن حركة القلم على القرطاس بوضع مخصوص وهذا بنفسه فعل اختياري صادر عن المكلّف أوّلاً وبالذات بخلاف الإحراق فإنّ الصادر من المكلّف هو الإلقاء في النار لا الإحراق ، وباب العقود والايقاعات كلّها من قبيل الإيجاد بالآلة فإنّ هذه الألفاظ كلّها آلة لايجاد الملكيّة والزوجيّة والفرقة وغير ذلك ، وليس البيع مثلاً مسبّباً توليديّاً لهذه الألفاظ بل البيع بنفسه فعل اختياري للفاعل متعلّق لارادته أوّلاً وبالذات ، ويكون إيجاده بيده ، فمعنى حلّية البيع هو حلّية إيجاده ، فكلّ ما يكون إيجاداً للبيع بنظر العرف فهو مندرج تحت إطلاق قوله تعالى : ( أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ ) والمفروض أنّ العقد بالفارسيّة مثلاً يكون مصداقاً لايجاد البيع بنظر العرف ، فيشمله إطلاق حلّية البيع ، وكذا الكلام في سائر الأدلّة وسائر الأبواب ، فيرتفع موضوع الإشكال ، إذ مبنى الإشكال هو تخيّل أنّ المنشئات بالعقود من قبيل