قرّر في محلّه عدم حجّيته ، مضافاً إلى أنّ الاستدلال بالاستصحاب هنا كأصل لفظي إنّما يتمّ بناءً على كونه من الأمارات ، وهذا خلاف التحقيق.
هذا كلّه بالنسبة إلى الاصول اللّفظيّة.
أمّا الاصول العمليّة : فإنّها تختلف باختلاف الموارد فتارةً : يكون الأصل البراءة واخرى : الاستصحاب وثالثة : الاشتغال ورابعة : التخيير.
أمّا الأوّل البراءة : كما إذا قال المولى « أكرم العالم » وشككنا في شموله لمن قضى عنه العلم.
وأمّا الثاني الاستصحاب : كما في نفس المثال إذا صدر الأمر حين تلبّس زيد مثلاً بالعلم ، ثمّ خرج عن التلبّس بالنسيان ونحوه ، فصار الحكم شاملاً ، ثمّ شككنا في بقائه بعد الانقضاء فيجري استصحاب وجوب الإكرام ( بناءً على كون العلم من الحالات لا مقوّماً للموضوع ) ومثل استصحاب النجاسة في الكرّ المتغيّر بالنجاسة بعد زوال تغيّره بنفسه ، ولكنّه مبنيّ على جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية ، وسوف يأتي في محلّه عدم جريانه فيها.
وأمّا الثالث الاشتغال : فكما إذا قال المولى « أكرم عالماً » فمقتضى الاشتغال اليقيني عدم حصول البراءة بإكرام من قضى عنه العلم ، لأنّه تقتضي البراءة اليقينية ، فلابدّ من إكرام من تكون متلبّساً بالعلم ( ولنفرض الكلام فيما إذا ورد الحكم بعد زمان الانقضاء فلم يمكن الاستصحاب ).
وأمّا الرابع التخيير : فكما إذا قال المولى « أكرم العالم » و « لا تكرم الجاهل » واشتبه حال زيد مثلاً من حيث العلم والجهل فعلاً ، ولم يعلم الحالة السابقة لتوارد الحالات المختلفة عليه.
فظهر ممّا ذكرنا أنّه لا وجه لحصر المحقّق الخراساني رحمهالله الاصول العمليّة الجارية في المقام في البراءة والاستصحاب ، بل إنّها تختلف باختلاف الموارد ويجري كلّ واحد من الاصول الأربعة في مورده الخاصّ به.
ثمّ إنّ بعض الأعلام قال في المقام ما حاصله :
إنّه لا فرق بين موارد الشكّ في الحدوث وموارد الشكّ في البقاء ، ففي كلا الموردين المرجع هو أصالة البراءة دون الاستصحاب ، أمّا في موارد الشكّ في الحدوث فالأمر واضح ، وأمّا في موارد الشكّ في البقاء فبناءً على مسلكنا في باب الاستصحاب من عدم جريانه في الشبهات الحكمية خلافاً للمشهور فالأمر أيضاً واضح ، وأمّا على المسلك المشهور فإنّه لا يجري في