أي إنّا لا ندّعي وجود التبادر في الأقسام الثلاثة الاولى بل نعتقد بوجود القرينة فيها.
ثمّ إنّ هذه القرينة هل هي قرينة المجاز ، أو قرينة على كون الجري فيها بلحاظ حال الانقضاء ، فلا فرق بينها وبين « كان زيد قائماً » وإن كان مخالفاً لما هو الظاهر من إطلاقها ( لأنّ الظاهر كما قلنا سابقاً اتّحاد زمان الجري وحال النطق )؟
الحقّ هو الثاني ، فإذا قلنا « هذا سارق » يكون نفس مبدأ السرقة قرينة على أنّ السارق بمعنى « من سرق من قبل » أي « هذا هو الذي سرق من قبل » ومبدأ القتل على أنّ القاتل بمعنى « من قتل من قبل » فمعنى « هذا قاتل » « هذا هو الذي قتل من قبل » فاستعمل السارق والقاتل في المنقضي عنه التلبّس بلحاظ حال التلبّس فيما قبل ، وعلى هذا فلا يلزم مجاز.
فتلخّص من جميع ما ذكرناه : أنّ شرط التبادر عدم وجود القرينة ، وعلى هذا فلا تصل النوبة إلى ما ذكره المحقّق الخراساني رحمهالله من لزوم كثرة المجاز بناءً على كون المشتقّ حقيقة فيمن تلبّس في الحال ، لأنّه ظهر ممّا ذكر أنّ الاستعمال في الأقسام الثلاثة الاول ليس مجازاً بل يكون حقيقة بلحاظ حال التلبّس فيما قبل ، والمفروض أنّ القرينة من ناحية المبدأ قائمة هنا.
هذا كلّه هو الدليل الأوّل على كون المشتقّ حقيقة في خصوص من تلبّس بالمبدأ في الحال.
وأمّا الدليل الثاني فهو قضيّة الصفات المتضادّة.
وتوضيحه : إنّا لا نشكّ في وجود صفات متضادّة فيما بين الصفات نحو القائم بالنسبة إلى القاعد ، والعالم في مقابل الجاهل ، والنائم في مقابل المستيقظ ، والقول بالأعمّ يوجب عدم التضادّ بين هذه الصفات لأنّه حينئذ يصدق على القائم فعلاً مثلاً إنّه قاعد أيضاً حقيقة بلحاظ ما انقضى عنه ، وعلى العالم فعلاً إنّه جاهل حقيقة بلحاظ ما انقضى عنه ، وهو خلاف الارتكاز والوجدان.
والإنصاف أنّ هذا الوجه في الحقيقة يرجع إلى الوجه الأوّل ، أي التبادر ، لابتنائه على الوجدان والارتكاز وهو ليس إلاّتقريباً آخر للتبادر.
وأمّا الدليل الثالث : صحّة السلب عمّن انقضى عنه التلبّس ، فإنّه يمكن لنا الحكم قطعاً وجزماً بأنّ القاعد فعلاً ليس بقائم.
إن قلت : لا يصحّ السلب في مثل السارق والقاتل.
قلت : إنّه خارج عن محلّ البحث كما مرّ آنفاً.