يكون المشتقّ مشتملاً على المبدأ ، والمصدر مباين مع بقيّة المشتقّات لفظاً ومعنى » (١).
ولكن يرد عليه :
أوّلاً : أنّ المراد من الأصل هو أوّل ما وضع في المشتقّات ثمّ أخذ منه الباقي ، ولا يخفى أنّ اللفظ يحتاج إلى هيئة ما لا يمكن وضعه بدونها لأنّ الوضع لا محالة يتعلّق بصيغة خاصّة وتركيب خاصّ لا بحروف مقطّعة منثورة.
وثانياً : لقائل أن يقول : أنّه لا دلالة للهيئة في المصدر على معنى خاصّ بل إنّها لمجرّد إمكان التلفّظ به ، فلا تفيد الهيئة فيه معنى خاصّاً غير ما تفيده مادّته وإن كان اللازم علينا عند التكلّم به الاحتفاظ بتلك الهيئة لأنّه أمر سماعي لا يجوز التخلّف عنه ، كما أنّه لا نسبة في المصدر إلى شيء ( والمراد المصدر من الثلاثي ).
وأمّا القول الثاني : وهو كون المبدأ الفعل ففيه : أنّه يستلزم زيادة الأصل على الفرع لأنّ في الفعل زيادة على المصدر من حيث الزمان والنسبة ، لأنّ المصدر مجرّد حدث لا زمان فيه ولا نسبة ، بينما الفعل واجد لكليهما.
نعم يفهم من المصدر النسبة بالدلالة الالتزاميّة ، فإنّ الحدث إذا أخبر عنه يحتاج في وقوعه إلى نسبة خارجيّة ، ولكن لا يكون هذا في معناه المطابقي.
ولعلّ منشأ هذا القول أنّ علّة الحاجة إلى اللّغة أوّلاً إنّما هي بيان الفعل ، والحاجة إلى بيان المصدر والصفات ناشئة من الحاجة إلى فهم الأفعال ، لأنّ الضارب مثلاً لا يكون ضارباً ولا يتّصف بهذا الوصف إلاّبعد أن صدر منه فعل الضرب ، ولكن مجرّد هذا لا يكون دليلاً على كون الفعل أصلاً بعد وجود زيادات فيه ليست في المصدر.
فتبيّن وتحصّل ممّا ذكرناه أنّ المتعيّن كون المصدر هو الأصل.
وما مرّ من أنّ للمصدر هيئة لا تكون ثابتة في سائر المشتقّات قد عرفت الجواب عنه كما عرفت الجواب عن قول القائل بأنّ في المصدر نسبة لا توجد في سائر المشتقّات ( لكن هذا كلّه في المصدر الثلاثي المجرّد ).
إلى هنا قد فرغنا من مقدّمات المباحث الاصوليّة فلنرجع إلى البحث عن نفس مسائلها
__________________
(١) أجود التقريرات : ج ١ ، ص ٦٠.