خروج العمل عن اللا اقتضائيّة ، بحيث كان حكم العقل بالإيجاد من جهة الرغبة لما يترتّب عليه من الأجر والثواب فحسب ، واخرى يكون اقتضاؤه لتحريك العبد بالإيجاد بنحو أتمّ بحيث يوجب سدّ باب عدمه حتّى من طرف العقوبة على المخالفة علاوة عمّا يترتّب على إيجاده من المثوبة الموعودة ، وفي مثل ذلك نقول : بأنّ قضيّة إطلاق الأمر يقتضي كونه على النحو الثاني لعدم تقيّده بشيء ( انتهى ملخّصاً ) (١).
أقول : الأولى في المقام أن يقال : إنّ منشأ الانصراف أنّ طبيعة الطلب ليس فيها عدم الطلب وإذن في الترك ، فإنّ الطلب بعث إلى الشيء ، والبعث يقتضي الانبعاث فلا سبيل لعدم الانبعاث في ماهيته ، فالإلزام والوجوب لازم لطبيعة الطلب وماهيته ، فما لم يصرّح المولى بالترخيص ولم يأذن بالترك ينصرف الطلب إلى الوجوب ويتبادر منه اللزوم ، والشاهد على ذلك أنّه إذا لم يمتثل العبد أمر المولى اعتذاراً بأنّي كنت أحتمل الندب لم يقبل عذره ويقال له « إذا قيل لك افعل فأفعل ».
نعم ، إذا قامت قرينة على الاستحباب والترخيص لم يكن مجازاً لأنّ الموضوع له عامّ يشمل الوجوب والاستحباب وإن كان إطلاقه منصرفاً إلى الوجوب.
نعم أُورد على المحقّق العراقي رحمهالله في تهذيب الاصول بأنّ « ما ذكره صاحب المعالم إنّما هو في صيغة الأمر دون مادّته كما أنّ مورد التمسّك بالاطلاق هو صيغة الأمر دون مادّته » (٢).
لكن الإنصاف عدم ورود اشكاله بالنسبة إلى التمسّك بالاطلاق ( وإن كان وارداً بالنسبة إلى نقل كلام صاحب المعالم كما أشرنا إليه ضمن نقل كلام هذا العلم ) وذلك لأنّه لا فرق في هذه الجهة بين صيغة الأمر ومادّته ، فكما تجري مقدّمات الحكمة ويمكن التمسّك بالاطلاق في صيغة الأمر ، تجري أيضاً في مادّته من دون فرق بين ما يكون المولى فيه في مقام الإنشاء كما في قوله تعالى : ( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ ) وقوله عليهالسلام : هذا ما أمر به عبدالله ... ( في كتاب علي عليهالسلام لمالك ) وما يكون المولى فيه في مقام الإخبار كقوله عليهالسلام : « أمر رسول الله بالزكاة في تسعة أشياء » فإنّه يمكن أن يقال فيها أيضاً ( كما يمكن أن يقال في صيغة الأمر ) أنّ المولى كان في مقام البيان فأمر بشيء من دون تقييد وبيان زائد يستفاد منه الاستحباب ، فيستفاد منه الوجوب
__________________
(١) نهاية الأفكار : ج ١ ، ص ١٦١ ـ ١٦٣ ، طبع جماعة المدرّسين.
(٢) تهذيب الاصول : ج ١ ، ص ١٠١ ، طبع مهر.