إنّما هو الوجه الأوّل ، أي التبادر والظهور العرفي ، وأمّا سائر الوجوه فهي على حدّ التأييد للمدّعى لا أكثر ، لأنّها استعمالات لهذه المادّة في خصوص الوجوب ، ومجرّد الاستعمال غير دالّ على الحقيقة ما لم يبلغ حدّ الاطّراد.
وعلى أيّ حال : لا كلام في ظهوره في الوجوب ، إنّما الكلام في منشأ هذا الظهور ، فهل هو الوضع بحيث يكون الأمر بمادّته موضوعاً للطلب الوجوبي ، أو منشأه غلبة استعماله في الوجوب ، أو أنّه قضيّة الإطلاق ومقدّمات الحكمة كما ذهب إليه المحقّق العراقي رحمهالله ، أو المنشأ إنّما هو حكم العقل بوجوب طاعة المولى الآمر قضاءً لحقّ المولويّة والعبوديّة كما ذهب إليه بعض المعاصرين (١)؟
قال المحقّق العراقي رحمهالله بعد أن نفى الوجه الأوّل ( لصحّة التقسيم وصحّة الإطلاق على الطلب غير الإلزامي ) والوجه الثاني ( بدعوى وضوح كثرة استعماله في الاستحباب أيضاً مع نقله كلام صاحب المعالم رحمهالله وأنّه بعد أن اختار كون الأمر حقيقة في خصوص الوجوب قال : « إنّه يستفاد من تضاعيف أحاديثنا المرويّة عن الأئمّة عليهمالسلام أنّ استعمال الأمر في الندب كان شائعاً في عرفهم بحيث صار من المجازات الراجحة المساوي احتمالها من اللفظ لاحتمال الحقيقة عند انتفاء المرجّح الخارجي » مع أنّ كلامه رحمهالله هذا مرتبط بصيغة الأمر لا بمادّته فراجع ) : « وحينئذٍ فلابدّ وأن يكون الوجه في ذلك هو قضيّة الإطلاق ومقدّمات الحكمة ، ثمّ قرّبه بوجهين :
الأوّل : أنّ الطلب الوجوبي لمّا كان أكمل بالنسبة إلى الطلب الاستحبابي لما في الثاني من جهة نقص لا يقتضي المنع من الترك ، فلا جرم عند الدوران يكون مقتضى الإطلاق هو الحمل على الطلب الوجوبي ، إذ الطلب الاستحبابي باعتبار ما فيه من النقص يحتاج إلى نحو تحديد وتقييد ، بخلاف الطلب الوجوبي ، فإنّه لا تحديد فيه حتّى يحتاج إلى التقييد ، وحينئذ فكان مقتضى الإطلاق بعد كون الآمر بصدد البيان هو كون طلبه طلباً وجوبياً لا استحبابياً.
الثاني : أنّ الأمر بعد أن كان فيه اقتضاء لوجود متعلّقه في مرحلة الخارج ( ولو باعتبار منشئيته لحكم العقل بلزوم الإطاعة والامتثال ) يكون اقتضائه ـ تارةً ـ بنحو يوجب مجرّد
__________________
(١) وهو المحقّق العلاّمة الشّيخ محمّد رضا المظفّر رحمهالله في اصول الفقه : ج ١ ، ص ٦١ ، طبع دار النعمان بالنجف.