المعنى أبو الحسن الرضا في عبارة وجيزة لطيفة وقد سأل عنه الراوي وقال : الله فوّض الأمر إلى العباد؟ قال : الله أعزّ من ذلك. قلت : فجبرهم على المعاصي؟ قال : « الله أعدل وأحكم من ذلك » (١).
وقد أجاب عنه الأشاعرة بوجهين :
أحدهما : من طريق إنكار الحسن والقبح العقليين وإنّ الظلم ليس قبيحاً على الباري تعالى.
ثانيهما : أنّه لو سلّمنا وقبلنا الحسن والقبح عند العقل إلاّ أنّه لا يصدق الظلم على أفعاله تعالى حتّى يحكم العقل بقبحه لأنّها تصرّفات في ملك نفسه وله أن يتصرّف في ملكه بما يشاء كيف يشاء لا يسأل عمّا يفعل.
ويجاب عن الوجه الأوّل : بأنّه سفسطة مخالفة للوجدان ، مضافاً إلى أنّه مستلزم لانهدام أساس المذهب وهو معرفة الباري لأنّها مبنية على قبول وجوب التحقيق عن وجوده تعالى ، وهو مبني على وجوب شكر المنعم ووجوب دفع الضرر المحتمل وقبح تركهما ، وكذلك معرفة النبي صلىاللهعليهوآله لأنّها أيضاً متوقّفة على قبح اعطاء الله تعالى المعجزة بغير النبي الصادق الصالح لمقام النبوّة وإلاّ لو لم يكن اعطائه بالشيطان مثلاً قبيحاً لم تثبت النبوّة والرسالة ولم يحكم العقل بوجوب النظر إلى دعوى من يدّعي النبوّة ومعجزته.
وعن الوجه الثاني : بأنّه لا دليل على جواز تصرّف الإنسان مثلاً في مملوكاته مطلقاً بما شاء وكيف يشاء ، فلا يجوز له مثلاً إحراق أمواله بل العقل يحكم بخلافه وبجواز التصرّفات غير القبيحة ، كذلك بالنسبة إلى أفعال الباري تعالى فإنّ تصرّفاته لا تكون إلاّعن مصلحة ، ومن المعلوم أنّ ما ذكر قبيح مخالف للمصلحة.
الوجه الثالث : « دليل الحكمة » فإنّ القول بالجبر يلازم كون بعث الرسل وانزال الكتب لغواً ، لأنّه أمّا أن الله تعالى أراد طاعة عبده وأنّ ذات العبد مقتضية للطاعة فبعثه وزجره تحصيل للحاصل ، وإمّا أن لا تكون ذاته مقتضية للطاعة بل لها اقتضاء العصيان فيكون بعثه أو زجره تكليفاً بما لا يطاق وكلاهما ينافيان حكمة الباري تعالى.
وهذا الوجه تامّ حتّى بناءً على إنكار الحسن والقبح العقليين ، لأنّ كونه تعالى حكيماً ثابت بالنقل.
__________________
(١) اصول الكافي : ج ١ ، ص ١٥٧.