والجواب عنها : أمّا الآيتان الأوّليان فالمراد من « كلّ شيء » فيهما إنّما هو الذوات والأعيان الخارجيّة بقرينة أنّ الكلام فيهما وفيما قبلهما من الآيات إنّما هو في خلق السموات والأرض وبقرينة أوائل الآية الثانيّة وهو قوله تعالى : ( قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرًّا ) فإنّه وارد في ما اتّخذوه شركاء لله تعالى وليست ناظرة إلى أفعال الإنسان كما لا يخفى.
وأمّا الآية الثالثة فهي أيضاً ناظرة إلى أوثانهم بما هي أوثان وذوات خارجيّة لا بما هي أعمال ، والشاهد على ذلك قوله تعالى « ما تنحتون » فإنّ كلمة « ما » هنا موصولة لا مصدريّة ، وبالجملة يستفاد من مجموع هذه القرائن أنّ هذا القبيل من الآيات منصرفة إلى الأعيان والذوات الخارجيّة ، كما يشهد على ذلك كلمة « شيء » حيث إنّها أيضاً تنصرف إلى خصوص الأعيان غالباً ولا يطلق على العمل.
هذا ـ ولو سلّمنا عموم هذه الآيات بالنسبة إلى الأفعال أيضاً ، لكن قد عرفت أنّ إسناد العمل إلى الله تعالى لا يمنع عن إسناده إلى الإنسان نفسه ، لأنّ أحدهما في طول الآخر ، وهو معنى الأمر بين الأمرين كما سيأتي تفصيلاً إن شاء الله.
الطائفة الثانيّة : الآيات التي تدلّ على نفي المشيّة عن العبد نحو قوله تعالى : ( وَما تَشاؤُنَ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ ) (١).
والجواب عنها : أنّ مقتضى مذهب الأمر بين الأمرين عدم استقلال مشيّة العبد عن مشيّة الله تعالى وإن كانت إرادة العبد واختياره في طول ارادته وإنّ الله أراد أن يختار العبد ويريد الفعل الفلاني كما سيأتي في توضيح الأمر بين الأمرين مزيد بحث لذلك ، فمشيّة العبد حينئذ لا تنفكّ عن مشيّة الله أبداً ، وهذا لا ينافي الاختيار كما لا يخفى.
الطائفة الثالثة : الآيات التي تدلّ على نفي الفعل عن العباد كقوله تعالى : ( فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى )(٢).
ويمكن الجواب عنها بوجهين :
الجواب الأوّل : أنّ المراد منه نفي استقلال العبد في التأثير وكون الفاعل المستقلّ هو الله
__________________
(١) سورة الدهر : الآية ٣٠.
(٢) سورة الانفال : الآية ١٧.