تعالى. وبعبارة اخرى : كما أنّ الوجود بالأصالة مختصّ بذاته تعالى ، وغيره موجود بإرادته ، فكذلك الأفعال الإنسانيّة منسوبة إلى الله تعالى بالأصالة ومنسوبة إلى العباد بسبب أنّ الله تعالى أعطاهم القدرة والاختيار والقوّة.
الجواب الثاني : أنّ هذا التعبير وارد في شأن غزوة بدر التي تختصّ بالامدادات الغيبية ونزول الملائكة حيث
إنّ القتل إمّا أن يكون قد تحقق بأيدي الملائكة ، فسلب القتل عن المقاتلين لا بأس به ، وإمّا أن يكون قد صدر من المقاتلين مع نصرة من الملائكة فكذلك يمكن سلب القتل عنهم بهذا الاعتبار ، أي لولا الامداد الغيبي ونصرة الملائكة لم تقدروا على شيء ، وحينئذ يصدق قوله تعالى : ( وَلكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ ).
هذا بالنسبة إلى الفقرة الاولى ، وأمّا الفقرة الثانيّة فالمراد منها أنّ تأثير الرمي كان من الله تعالى ، أي وما رميت إذ رميت رمياً مؤثّراً ، والشاهد على هذا وجود إسنادين في الآية ، فكما أنّه تعالى يسند الرمي إلى نفسه يسنده إلى رسوله أيضاً ، وهذا يشهد على أنّ المقصود من الرمي الأوّل إنّما هو رمي التراب أو الحصى ، ومن الرمي الثاني تأثيرها في قبض عيون الناظرين كما في الرّوايات (١) ، وبالجملة الفقرتين كلتيهما تفسّران بالقرينة المقاميّة الموجودة في الآية.
الطائفة الرابعة : ما تدلّ على أنّ الإيمان والعمل بجعل الله تعالى وبمساعدته نحو قوله تعالى : ( رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنا وَتَقَبَّلْ دُعاءِ )(٢) وقوله تعالى : ( أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ )(٣).
والجواب عنها أوضح من الجواب عن الطائفة السابقة عليها ، فإنّها من قبيل التعبير الرائج بيننا من أنّ التوفيق بيد الله ، والتوفيق عبارة عن تهيئة أسباب الخير ومقدّمات العمل الصالح على حدّ الاقتضاء والاعداد لا العلّية التامّة كما لا يخفى ، وأمّا المراد من كتابة الإيمان فهو إثبات
__________________
(١) فقد ورد في الرّوايات أنّ النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال لعلي عليهالسلام : « ناولني كفّاً من حصى وناوله ورمى به في وجوه قريش فما بقي أحد إلاّ امتلأت عيناه من الحصى » ( تفسير البرهان ذيل الآية ١٧ من سورة الأنفال ) وفي الدرّ المنثور ذيل نفس الآية : « أخذ رسول الله قبضة من تراب فرمى بها ».
(٢) سورة ابراهيم : الآية ٤٠.
(٣) سورة المجادلة : الآية ٢٢.