الأوّل : ما يكون بذاته تعظيماً وتجليلاً ويعدّ خضوعاً وعبوديّة كالسجدة فإنّها تعدّ بذاتها عبوديّة ولو مع عدم قصد القربة ووقوعها في مقابل أي شخص أو أيْ شيء ، وهي عبادة ولو وقعت في مقابل صنم من الحجر والشجر.
الثاني : ما يكون عبادة ولكن لا بذاته وماهيته بل باعتبار المولى وجعله كعباديّة الصّيام ( التي ترجع إلى عباديّة الامساك ) والطواف والسعي في الصفا والمروة والهرولة في موضعها وغير ذلك من أشباهها من الواجبات التعبّديّة في الشرع المقدّس ، فإنّها امور وضعت للخضوع والتعظيم في مقابل المولى الحكيم فإنّه جعلها للعبادة والعبوديّة ووسيلة للتقرّب إليه ، ولا إشكال في أنّ هذا القسم أيضاً يتشخّص بتشخّص العبادة ويتلوّن بلونها بالجعل والاعتبار مع قطع النظر عن قصد القربة والتعظيم وقصد العبادة ، فإنّه نظير ما يعتبر للتعظيم ويوضع للاحترام بين الملل والأقوام ، فعند بعضهم جعل رفع القلنسوة والبُرنيطة للاحترام فيعدّ وضعها إهانة وهتكاً مع أنّ عكسه يعدّ تعظيماً عندنا فيعتبر وضع العمامة مثلاً إحتراماً ورفعها هتكاً ، وكذلك الحال في العبادات ، فالعمدة فيها الجعل والاعتبار ، نعم العبادة المطلوبة تتحقّق بقصد القربة لا بذات العبادة.
فتلخّص : أنّ الفرق بين التعبّدي والتوصّلي لا ينحصر في قصد القربة وعدمه فقط بل إنّهما تفترقان في الماهية أيضاً ، فماهية العمل التعبّدي تفترق عن ماهية العمل التوصّلي ، وبعبارة اخرى : أنّ للعبادة التي توجب التقرّب إلى المولى ركنين : حسن فاعلي وهو أن يكون العبد في مقام الإطاعة والتقرّب إلى المولى ، وحسن فعلي وهو أن يكون ذات العمل مطلوباً للمولى.
ثمّ إنّ المقصود من التعظيم في الموالي العرفيّة إنّما هو تكريم المولى واعظامه ليكون أكرم وأعظم عند الناس ، وأمّا بالنسبة إلى الباري تعالى الكامل بالكمال المطلق والغني الحميد بغناء لا نهاية له فالمقصود منه إنّما هو تقرّب العبد ورشده وقتباس شيء من نوره وصفاته ولو كان كضوء الشمع في مقابل الشمس أو أقلّ من ذلك.
وفي تهذيب الاصول ذكر للواجب قسماً ثالثاً ، فبدّل التقسيم الثنائي إلى الثلاثي حيث قسّم ما يعتبر فيه قصد القربة إلى قسمين :
أحدهما : ما ينطبق عليه عنوان العبوديّة لله تعالى ، بحيث يعدّ العمل منه للربّ عبوديّة له كالصّلاة والاعتكاف والحجّ.