المقدّر الصحّة ، أي إنّما صحّة الأعمال بالنيّات ، واحتمال أن يكون المقدّر الأجر والثواب ، أي إنّما أجر الأعمال بالنيّات ، فعلى الأوّل يثبت مطلوب الخصم أي اعتبار قصد القربة في جميع الأعمال كما لا يخفى ، وأمّا على الثاني فيكون معنى الرّواية أنّ ترتّب الثواب على الأعمال مشروط بقصد القربة فإزالة النجاسة
عن المسجد يترتّب عليها الثواب إذا تحقّقت بنيّة القربة لا أنّ صحّتها تتوقّف عليها ، واين هذا من تعبّديّة جميع الأعمال؟ وهذا الاحتمال الثاني هو المتعيّن في تفسير الرّواية بقرينة ما ورد في ذيل الرّواية الثانيّة من قوله عليهالسلام :« ولكلّ امرىء ما نوى ، فمن غزى إبتغاء ما عند الله فقد وقع أجره على الله عزّوجلّ ومن غزى يريد عرض الدنيا أو نوى عقالاً لم يكن له إلاّما نوى » ، والرّوايات يفسّر بعضها بعضاً.
وبعبارة اخرى : إنّ النزاع في ما نحن فيه إنّما هو في العبادة بالمعنى الأخصّ أي ما يشترط قصد القربة في صحّة العمل لا العبادة بالمعنى الأعمّ أي ما يعتبر في ترتّب الثواب عليه قصد القربة ، ولا إشكال في أنّ الجهاد من القسم الثاني ، فلو كانت الرّواية في مقام اعتبار قصد القربة في جميع الأعمال لزم خروج مورد الرّواية عنها.
ويشهد لهذا التفسير للرواية أيضاً ما رواه أبو عروة السلمي عن أبي عبدالله عليهالسلام قال : « إنّ الله يحشر الناس على نيّاتهم يوم القيامة ». (١)
وما رواه أبو ذرّ عن رسول الله صلىاللهعليهوآله في وصيّة له قال يا أبا ذر : « ليكن لك في كلّ شيء نيّة حتّى في النوم والأكل ». (٢)
وثانياً : ما مرّ في الجواب عن الدليل الثاني من قضيّة التخصيص بالأكثر كما لا يخفى.
فقد تلخّص من جميع ذلك عدم تماميّة جميع الوجوه التي استدلّ بها للقول الثاني.
وأمّا القول الثالث : وهو ما ذهب إليه المحقّق النائيني رحمهالله من عدم وجود أصل لفظي في المقام فاستدلّ له بما حاصله « إنّ التقابل بين الإطلاق والتقييد تقابل العدم والملكة فيتصوّر الإطلاق فيما يتصوّر التقييد فيه ، وحيث إنّ التقييد ممتنع هنا يكون الإطلاق أيضاً ممتنعاً ، فيكون الحقّ حينئذٍ هو الإهمال وعدم الإطلاق مطلقاً ، ووجه كون الإطلاق من قبيل عدم الملكة لا العدم المطلق أنّ الإطلاق وإن كان عدمياً إلاّ أنّه موقوف على ورود الحكم على
__________________
(١) وسائل الشيعة : الباب ٥ من أبواب مقدّمة العبادات ، ح ٥.
(٢) المصدر السابق : ح ٨.