ذيل هذه الآية يقول : « أي لم يأمرهم الله تعالى إلاّلأن يعبدوا لله وحده لا يشركون بعبادة ، فهذا ممّا لا يختلف فيه الامّة ولا يقع منه التغيير » وقال في ذيل قوله تعالى ( مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) : « لا يخلطون بعبادته عبادة من سواه » وكذلك غيره.
أضف إلى ذلك أنّ المعنى المذكور للآية يستلزم منه التخصيص بالأكثر حيث إنّه لا ريب في أنّ أكثر الأوامر توصّلية.
مضافاً إلى أنّ لحن الآية آبية عن التخصيص لمكان التأكيدات العديدة الشديدة الواردة فيها كما لا يخفى.
الأمر الثالث : التمسّك بروايات تدلّ على أنّ الأعمال إنّما هي بالنيّات :
منها : ما رواه أبو حمزة عن علي بن الحسين عليهالسلام قال : « لا عمل إلاّبنيّة ». (١)
ومنها : ما رواه اسحاق بن محمّد قال : حدّثني علي بن جعفر بن محمّد ، وعلي بن موسى بن جعفر هذا عن أخيه وهذا عن أبيه موسى بن جعفر عليهالسلام عن آبائه عليهمالسلام عن رسول الله صلىاللهعليهوآله في حديث. قال : « إنّما الأعمال بالنيّات ، ولكل امرىء ما نوى » (٢) وهكذا الرّواية الثانيّة والثالثة من نفس الباب.
وتقريب الاستدلال : إنّ هذه الرّوايات تدلّ على اعتبار نيّة القربة في جميع الأعمال بشهادة عموم التعبير بـ « الأعمال » في الرّواية الاولى ، والنكرة في سياق النفي في الرّواية الاولى ، فلابدّ من قصد القربة في جميع الأعمال إلاّما خرج بالدليل.
والجواب عنه :
أوّلاً : أنّه لا دليل على كون المراد من النيّة في هذه الرّوايات نيّة القربة بل لعلّها نيّة عنوان العمل بالنسبة إلى العناوين القصديّة حيث إنّ كثيراً ما يكون لعمل واحد عناوين عديدة ووجوه متفاوتة يتميّز كلّ واحد منها عن غيرها بالنيّة ، فمثلاً إذا أعطى زيد درهماً أمكن أن يكون من باب الأمانة أو الهبة أو الخمس أو الزّكاة أو أداء الدَين أو ردّ المظالم أو القبض ، ولكنّه تتميّز وتتعيّن بالقصد والنيّة.
وإن شئت قلت : لا بدّ في الرّواية من تقدير يدور أمره بين الاحتمالين : احتمال أن يكون
__________________
(١) وسائل الشيعة : الباب ٥ من أبواب مقدّمة العبادات ، ح ١.
(٢) نفس المصدر.