به إتيانه مكرّراً فإتيانه مكرّراً يوجب الإجزاء ، فمسألة الإجزاء تكون في طول هذه المسألة ومتأخّرة عنها ، إذا عرفت هذين الأمرين فلنرد في أصل المسألة.
فنقول : المشهور بين المتأخّرين أنّ هيئة الأمر لا يدلّ على المرّة والتكرار بل يدلّ على صرف الطبيعة فقط غاية الأمر أنّها تحصل بفرد واحد.
والوجه في دلالتها على مجرّد الطبيعة هو التبادر فالمتبادر من قوله : « اغتسل » إنّما هو طلب طبيعة الغسل التي تحصل بإتيان مصداق واحد ونتيجته هو المرّة.
هذا ما استحسنه القوم وتلقّوه بالقبول ، ولكن الصحيح عندنا أنّها تدلّ على المرّة ولكن لا بالدلالة اللّفظيّة بل من باب مقدّمات الحكمة ، لأنّ المولى كان في مقام البيان ، فلو كان مطلوبه إتيان الطبيعة أكثر من مرّة واحدة لكان عليه البيان ، لأنّ القدر المتيقّن من مدلول اللفظ إنّما هو المرّة ، وإمّا التكرار فهو يحتاج إلى مؤونة زائدة ، وحيث إنّ المفروض كون المولى في مقام البيان ولا إهمال في مقام الثبوت ( لأنّ المولى إمّا أن أراد المرّة أو أراد التكرار ) ومع ذلك لم يأت في مقام الإثبات بما يدلّ على التكرار فنستكشف أنّ مطلوبه إنّما هو إتيان العمل مرّة.
نعم ، هيهنا امور لا بدّ من بيانها :
الأمر الأوّل : في ما نلاحظه من الفرق بين الأمر والنهي وإنّ الأمر يكفي في امتثاله إتيان فرد واحد بينما النهي لا بدّ لامتثاله من ترك جميع الأفراد مع أنّ المتعلّق في كليهما أمر واحد وهو الطبيعة ، والطبيعي موجود بوجود أفراده ، ونسبة الطبيعي إلى أفراده هي نسبة الآباء إلى الأبناء لا نسبة أب واحد إلى الأبناء ، فكما أنّه يتحقّق بفرد واحد منه وبصرف وجوده في الأمر فليتحقّق تركه أيضاً بصرف تركه ولو بترك فرد واحد مع أنّه ليس كذلك بل لا بدّ في النهي من ترك جمع أفراد الطبيعي. فمن أين نشأ هذا الفرق؟
وقد اجيب عن هذا السؤال بوجوه عديدة :
الوجه الأوّل : أنّ الفرق يرجع في الحقيقة إلى خصوصيّة الوجود والعدم فإنّ وجود الطبيعة يتحقّق بوجود فرد واحد ، وأمّا عدمها فلا يتحقّق إلاّبترك الجميع.
ولكن يرد عليه : أنّ التحقيق كون العدم بديلاً للوجود فكما يتصوّر لوجود الطبيعة أفراد كثيرة كذلك يتصوّر لعدم الطبيعة اعدام كثيرة ، فإنّ نسبة الطبيعي إلى أفراده نسبة الآباء إلى الأبناء كما مرّ آنفاً من دون فرق بين الوجود والعدم ، فكما أنّ وجود زيد يكون عين وجود